تتداول منصات التواصل الاجتماعي، منذ مدّة، فيديوهات عن حيل يعتمدها بعض التّجار في «الغش» و»التطفيف» و»التلاعب» بزبائنهم، ظنا منهم أن ذلك يحقق لهم أرباحا يوسعون بها نشاطاتهم وفوائد يغتنون بها..
ولا نعرف كيف (تخلّقت) هذه النوعية من القلوب القاسية في الوسط الاجتماعي الجزائري المعروف بمحافظته وسموّ أخلاقه ورفعة مقامه، فالتاجر عندنا ظلّ على الدّوام متأكدا بأنه، إذ يشتغل بالتجارة، إنّما يؤدي واجبا أخلاقيا تجاه المجتمع، ولم نعرف عن التّجار سوى خشية «الميزان» بحكم أنّ التطفيف فيه مرتبط بـ»الويل» الصريحة، وأن «الغش» يسلب الانتماء إلى الأمة كاملة، وأن كلّ لقمة حرام تجرّ الوبال على من يتجرأ على التهامها، وهذا كلّه يسبق ما تفرض تقاليد التجارة من التسويق لصورة حسنة تضمن ثقة الزبائن.
كان التاجر الجزائري يذرف الدّمع إذا ارتفع السعر بـ(دورو) واحد، وإذا بالحال تنقلب رأسا على عقب، فيسارع كثير من التّجار إلى تخزين السلع التي يتوسمون منها ارتفاع أسعارها، ليخرجوها لاحقا من المخازن رغبة في تحقيق فوائد أكبر..
وكان التاجر الجزائري، يفتح محلّه باكرا، من أجل توفير ما يؤكل للأطفال المتمدرسين حتى لا يقضوا وقت الدراسة على الطوى، وإذا بكثير من التّجار ينقلبون على أخلاق أسلافهم، ويتركون محلاتهم مغلقة إلى أن تتقلّب بهم الشمس إلى رابعة النهار..
الحقّ أن التجارة ليست مهنة الكسالى، ولا شغل الانتهازيين، ولا انشغال الوصوليين، فهي رسالة اجتماعية، كمثل جميع المهن النبيلة، ولكنّها أصبحت عندنا شغل من جعل همّه «الإثراء» على حساب الناس، دون وازع ولا رقيب، رغما عن تجارب الحياة التي لا تترك فرصة تمرّ، إلا وتبرهن على حصافة المقولة الجزائرية: اللي يربح.. العام اطويل..