لا نعرف كيف انغرست “المفرقعات”، في مخيالنا العام، بين ثوابت الاحتفال بالمولد النبوي الشّريف، فصار كثيرون بيننا لا يحسّون بحلاوة المناسبة، إلا إذا أطلقوا العنان للألعاب النارية، وأمعنوا في تفجيراتها، معتقدين بأنهم يعبّرون عن “محبّتهم” و”قربهم” من المصطفى الكريم، ولكنهم، في واقع الأمر، يخالفونه حين يروّعون من حولهم، ويفزعونهم بألعاب لا علاقة لها بديننا، ولا وجود لها في تاريخنا، ولا اعتبار لها في تقاليدنا الراسخة..
وليس ينبغي أن يفوتنا بأن الأصل في “الألعاب النارية”، عند القدماء، إنّما هو (تخويف الأرواح الشّريرة وطردها)، وهذا يدلّ دلالة واضحة على أنها عادة (وثنية) ما أتى الله بها من سلطان؛ ولهذا لا نجد سبيلا إلى معرفة الطريقة التي تسللت بها هذه “الآفة” إلى واقعنا المعيش، ولا إلى ما يفسّر الحرص عليها في كلّ مولد نبوي.. كيف نحتفل بمولد خير خلق الله، بما يرفضه وينهى عنه؟!.. وكيف تجتمع محبة النبيّ بمخالفة سيرته ووصاياه؟!.. هذه معضلة تصيب العقل بالدّوار، وقد لا يصدّق بعدها أنه “عقل”..
صراحة.. نعتقد أنّها مشكلة “وعي”، إذ ليس يعقل أن تجتمع المتناقضات في قلب الإنسان، وتنسجم بسلاسة، مثلما تنسجم عندنا فكرة “الاحتفال” بالنبي، بترويع من نهى النبي عن ترويعهم، فـ”الفرقعة” أصلا، لا تخيف إلا البشر، ولا تطرد سوى البشر، ولا تصدع سوى رؤوس البشر، بل إنّها تنتهي – كما هي عادتها على الدّوام– إلى إصابات بالجملة، وطوابير طويلة أمام الاستعجالات الطبيّة..
أمّا ثالثة الأثافي، فهي أن يأتيك من يشكو الفاقة، ويتبرّم من الحاجة، ويظلّ عاكفا على إسدال لسانه على صدره يهجو “الفقر”، ثم تراه “يفرقع” ماله في الهواء، متربّعا على قمّة الفرح والزّهو.. هنالك، ينبغي أن تضع عقلك جانبا، لأنه حتما لن يعرف كيف يشتغل..