«لو سألوني عن المفهوم الذي يميّز «الغرب» حاليا، لأجبت دون تردّد: «الوعي الزائف»».. هكذا قالها إيمانويل تود، المؤرخ وعالم الإنسان، بالعدد الأخير من مجلة «ماريان» الفرنسية، وسوّغ موقفه قائلا: «لا نعرف شيئا عمّا نحن عليه، ولا نعرف شيئا عن الآخر، ولا عن الأفكار التي يكوّنها عنّا»..
وليس تود أوّل من يتناول «الوعي الغربي» بالنّقد، ولن يكون الأخير بالتأكيد؛ ذلك أن ما تتأسس عليه «الحضارة المهيمنة» من مفاهيم إنسانية راقية، لا وجود لها في واقع البشر، وإنما هي عبارات نمطية تتكرّر في الخطابات الرّنانة التي تعوّدت على استغلال «حقوق الإنسان» في تبرير «احتقار الإنسان واستعباده»، تماما مثلما تعوّدت على «تسيير» مفهوم «الحريّة» بما يوافق غاياتها الخاصة، أمّا «الديمقراطية» و»العدالة» و»المساواة»، وقيم عليا كثيرة، فقد تحوّلت – في مجملها – إلى حسابات جارية يصرف منها «الغرب» على ما يمرّر به سياسته المعادية لـ «الانسان»..
هذا هو الدّمار الواقعي الذي يحدثه «الوعي الزائف» بحرصه على ترسيخ أفكار تتعارض مع الفطرة الإنسانية، وتحوّل الإنسان إلى «شيء» بلا قيمة، حين تجرّده من خصوصياته الأكثر دقّة، فتدعوه إلى الذّوبان في رؤيتها، والانصياع لفروضها، دون أدنى احترام لما تلوك من خطابات في مختلف المنابر، مع أنّ العالم برمّته يدرك يقينا أن «الواقع المعيش» لا يعبّر بالضرورة عن «الخطاب الرّنان»..
نعتقد أن ما يعيش البشر، منذ بسط «الغرب» هيمنته على العالم بالمؤسسات المالية، والشبكة العنكبوتية، بل وبالحديد والنار في معظم الأوقات، يفرض التفكير جدّيا في مصير الإنسان، ومساءلة مفهوم «الحضارة» في ذاته.. فهل هناك ما يسوّغ الحديث عن «حضارة فعلية» يعيشها العالم، أم أن الأمر مجرد ديكور غارق في ماديات بسيطة، غافل عن صانع الماديات؟!..