تدخل مكتب رئاسة التحرير بجريدة “الشعب”، فتجده جالسا إلى مكتبه وسط كومة كبيرة من الأوراق، وقلمه، أزرقا كان أم أحمر، يشتغل على مقال أو خبر أو تعليق، يعيدُ ترتيب جملة هنا، أو يضيف حرفا وعلامة ترقيم هناك، وهو يقرأ بإمعان، وعلى وجهه ابتسامة تزداد توهّجا حين يسمع سلامك، فيقف مبتهجا مرحّبا، ويرشق القلم خلف أذنه، ثم يترك أريكة المكتب كي يستقبلك بجميع جوارحه، ويجالسك مجالسة الأخ الأعزّ، ويدعوك على شيء تشربه، فإن عبّرت عن امتنانك واعترافك بلطفه وحسن استقباله، تزداد دعوته قوّة، فلا يسمح لك بقول كلمة إلا بعد أن تقبلها، وينالك كرمه.. يناديه الجميع “أستاذ”، لكن “عمّي السعيد” أحبّ إلى قلبه، وهي التي رسخت بقلوب من عرفوه صحفيا ألمعيا، ومدير تحرير مثابرا، وقلبا يسع الجميع..
عمّي السّعيد، كما يعرفه كل من خالطه، قلب ينبض بالمحبّة، ولم يره أحد إلا وبسمته مشرقة..بسمة ترتسم على محيّاه مهما اختلفت الظّروف وتنوّعت، فهو يتعامل مع المتعصّب والمتوتّر وصانع القلق، بنفس القبول الذي يعامل به الهادئ والطموح والمتعلّم، ويمنحهم كلهم من جمال روحه..يربّت على كتف هذا، ويشجّع ذاك، ويقف الموقف الصارم نصرة لهذاك، بل إنّه يمنح عمل الصحفي المبتدئ من الإجلال والإكبار، ما يشجّعه، ويظل صابرا عليه يوجّهه وينصحه إلى أن يستقيم أسلوبه، ويكتسب أصول مهنة الصحافــــة..هكذا تخرّج على يدي عمي السعيـد كثيرون قــدّمــــوا لـ “الصحافة” ما يستدعي الفخر اليوم..
الأستاذ السعيد قرايت..عمّي السعيد.. عالج الأخبار في أصعب فترة عاشتها الجزائر، بروح الوطنيّ المخلص، وضمير الجزائري الورع، وظلّ وفيّا لمبادئ المهنة لم يبدّل تبديلا، مؤمنا بالخدمة العمومية التي قام عليها، فأدّى رسالتها كاملة غير منقوصة..
عمي السّعيد..وأنت الذي لم تنل التّكريم اللائق بسموّ مقامك، نستغل اليوم الوطني للصحافة كي نقول لك:..أحبّاؤك أقاموا لك تمثال عزّ في قلوبهم..لم ينسوا فضلك، وهم سائرون على دربك..كل عام وأنت بألف ألف خير..