يلتقي القادة العرب بالجزائر العاصمة اليوم، في قمة البحث عن القواسم المشتركة، وإعادة ترتيب البيت العربي بإرساء أرضية صلبة تحقق انطلاقة جديدة لعمل مشترك وسط ظروف دولية تطرح رهانات وتحديات جديدة.
قبل أيّام قليلة، نجحت الجزائر في رهان جمع الفصائل الفلسطينية، في حدث تاريخي، أفضى إلى توقيع “إعلان الجزائر” انبثق عن مؤتمر “لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”، توّج جهودا حثيثة للجزائر لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
خطوة لها دلالات كبيرة سبقت انعقاد قمة نوفمبر التي تنطلق أشغالها اليوم، تؤشر على دور الجزائر الوازن في القضايا العربية ووقوفها على مسافة واحدة مع جميع الأطراف، ما يمهد الطريق أمام استضافة قمة عربية جامعة تنعقد تزامنا وذكرى اندلاع ثورة التحرير، في رمزية لها أبعاد تاريخية وسياسية ودبلوماسية.
توافقات تسبق الموعد
الاجتماعات التّحضيرية التي تسبق تأهب الجزائر لاستضافة الدورة العادية الـ 31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في الـ 1 و2 نوفمبر، تؤشّر على نجاح الجزائر في ضبط كافة تفاصيل الموعد العربي، من خلال التوافق الحاصل بين الوفود العربية حول القضايا والملفات المطروحة.
انطلاقا من دورها الوازن وجودة علاقاتها مع المجموعة العربية، تتطلّع الجزائر إلى ترتيب البيت العربي وتنسيق الجهود بما يخدم مصلحة وآمال الوطن العربي وشعوبه، وسط تحدّيات وتحوّلات يشهدها العالم أملتها متغيرات جديدة تحتّم على الأقطار العربية كافة إرساء قواعد وآليات عمل مشتركة.
تطلّعات الجزائر في هذه الدورة عبّر عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في لقاءات دورية مع الصحافة الوطنية، حيث أكّد على أنّه ثمة جهود مركزة تسعى الجزائر من خلالها إلى لم الشمل العربي، لاسيما وأنّ “السنوات الماضية عرفت تشرذما كبيرا في العلاقات وظهور نزاعات وخلافات بين بعض الدول العربية”.
تأكيد الرئيس تبون على أنّ القمة العربية المقررة بالجزائر 1 و2 نوفمبر ستكون ناجحة، بالنظر إلى أنّ هذا الموعد “سيجمع كل الدول في الجزائر التي ليست لديها مشكلة مع أي دولة عربية وتكن الاحترام لكل الدول”، وأنّ “المهم هو اجتماع الأسرة العربية في الجزائر التي هي أولى بجمع الشمل والوساطة لحل بعض النزاعات”.
تركيز خاص
منذ البداية، يتجلّى تركيز السلطات العليا في البلاد على استضافة قمة خاصة تجسّد أهدافا عملية، لذلك كان لزاما على الجزائر تهيئة كل ظروف نجاح الدورة الـ 31، في خضم سياقات دولية خاصة، وكانت أولى التوافقات الحاصلة في الاجتماعات التحضيرية على مدار أسبوع كامل.
في السياق، رهان الجزائر على مركزية القضية الفلسطينية في هذه القمة، سبقه جهود دبلوماسية حثيثة كلّلت، قبل أيام قليلة فقط، بالتوقيع على “إعلان الجزائر” من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، تحت إشراف رئيس الجمهورية بقصر الأمم، وهنا كرّر التاريخ نفسه، بتحقيق مصالحة تاريخية في نفس القاعة التي أعلن منها الشهيد أبو عمار قيام دولة فلسطين قبل 34 سنة.ويراهن متابعون للشأن للعربي أن تكون قمة نوفمبر أكبر مناسبة كبرى لصالح القضية الفلسطينية في ظروف تختلف عن الدورات الماضية، بعد أن نجحت الجزائر بقيادة الرئيس تبون، في لمّ شمل الفصائل الفلسطينية، وتتطلّع إلى توحيد الجهود العربية في مواجهة تحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية.
تصريحات رئيس الجمهورية بشأن قمة نوفمبر، والتحضيرات الاستثنائية التي سبقتها، تنمّ عن حرص الجزائر العميق على معالجة قضايا الشأن العربي ومواجهة التحديات من خلال توحيد الصفوف وتنسيق الجهود.
وخلال تسلّم الجزائر رئاسة القمة العربية على مستوى مجلس وزراء الخارجية، السبت المنقضي، أكّد الوزير رمطان لعمامرة أن اجتماع وزراء الخارجية العرب، التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الذي ستحتضنه الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر، سمح بالتوصل إلى “نتائج توافقية” بعد “مشاورات ثرية ومعمّقة”.وقبل أيام، بمناسبة إحياء يوم الأمم المتحدة، تحدّث لعمامرة عن المستقبل العربي الذي ينتظر أن يحظى في القمة العربية بالجزائر، من خلال إتاحة فرصة فريدة لتعبئة الجهود والنوايا الحسنة لكافة الأطراف الفاعلة قصد تعزيز التضامن العربي بشأن القضايا الجوهرية وبلورة رؤية مشتركة من أجل وضع المنطقة في منأى عن التوترات التي يشهدها العالم.
واعتبر لعمامرة القمة “فرصة لتجديد انضمام وتمسك الجميع بمبادرة السلام العربية وبالحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس”.
وأضاف أنّ “الأمر سيتعلق كذلك بتعزيز مسار التسوية السلمية للأزمات في الدول العربية، لاسيما في ليبيا وسوريا واليمن، وذلك للحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي هذه الدول الشقيقة”.
ومن أبعاد قمة الجزائر في جانب تعزيز العمل العربي المشترك على المستوى الدولي، نوّه لعمامرة بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في هذه القمة، ما من شأنه تعزيز العمل العربي المشترك والتعاون المثمر بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية حول المسائل المدرجة في جدول أعمال المنظمتين.
وعشية انعقاد الدورة العادية الـ 31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في حوار لوسيلة إعلامية عربية، أهمية قمة الجزائر في لم الشمل العربي، ومواجهة التحديات والضغوط والتهديدات التي تواجه المجموعة العربية.
تحدّيات تقتضي – وفق أبو الغيط – إزالة كافة أسباب التوتر في العلاقات بين الدول العربية، والبحث عن القواسم المشتركة إزاء مختلف القضايا في المنطقة، وأبرز أن القمة ستعطي دفعة مهمة للموقف الفلسطيني وتتخذ قرارات لصالح الفلسطينيين.