جمعت الجزائر، أمس، قادة دول عربية من رؤساء وأمراء وملوك، على طاولة واحدة، بعد انقطاع الاجتماعات الدورية للجامعة العربية منذ 3 سنوات تقريبا، وبحضور لافت ومميز للمشاركين، انطلقت أشغال الدورة 31 لاجتماع مجلس الدول العربية على مستوى القمة، تسلم خلاله رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رئاسة الدورة من نظيره التونسي قيس السعيد، وهي الدورة التي تدوم سنة واحدة، وستعرف تنفيذ قرارات توافقية، بمنهج جديد، يراهن عليه في تفعيل أداء آليات وأجهزة الجامعة العربية، ويضع حلولا للأزمات السياسية والأمنية ببعض الدول، ويحيي مشروع التكامل الاقتصادي العربي، ويعزز التضامن العربي خاصة مع الدول المتضررة من جائحة كوفيد -19 والأزمة الاقتصادية العالمية.
في كلمة ألقاها خلال افتتاح أشغال اجتماع مجلس جامعة الدولة العربية دورة 31، أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمسك الجزائر بالأهداف التي تأسست بها المنظمة العربية، واعتبر “قمة لمّ الشمل” محطة هامة لدفع مسار التكامل العربي، وفق نهج جديد، يحدد الروح التوافقية لاتخاذ القرارات ورفع التحديات المفروضة في كافة المجالات، وهو ما يأمل أن يصل إليه القادة في النتائج التي ستتوج النقاشات لاسيما في الجلسة التشاورية المقررة اليوم.
واعتبر اقتران انعقاد القمة العربية بذكرى الفاتح نوفمبر، شيء يبعث الفخر والأمل، لاستحضار التفاف الأشقاء العرب وأحرار العالم حول الثورة التحريرية الجزائرية وتقديم الدعم لها، معربا عن أمله في التمكن من استحضار هذه القيم وإعلائها لمواجهة التحديات الوجودية التي تهدد أمن واستقرار شعوب المنطقة العربية.
وفي هذا السياق، أشار الرئيس تبون إلى أن قمة الجزائر، تنعقد في ظل ظروف دولية استثنائية معقدة وحساسية تتميز بتصاعد التوترات والأزمات، مازالت تعقيداتها وأبعادها المختلفة، ماثلة أمامنا مع تعاظم التحديات الجسيمة التي يشهدها العالم بعد كوفيد 19، وما تمخض عنه من تغيير في التوازنات والتجاذبات وتفاقم ظاهرة الاستقطاب التي تساهم مثلما قال في “تفاقم الأزمات وتداعياتها على السلم والأمن وتلقي بظلالها على الدول لاسيما في الأمن الغذائي”.
وأمام هذه الظروف الصعبة شدد الرئيس تبون على ضرورة التكتل في نظام اقتصادي جديد، يرتكز على مقدرات وثروات وإمكانيات الدول العربية، والتي تؤهلها أن تكون الفاعل الأول في العالم.
وقال “لا نقبل أن نكون تابعا لأحد، لذلك لابد من استرجاع الثقة ليكون لنا التأثير في المشهد العالمي، لاسيما وأن احتياطات نقد الدول العربية مجتمعة، يعادل أو يفوق المجموعات الأوروبية أو الآسيوية الكبرى، وعليه بناء تكتل اقتصاد عربي منيع، أولوية مستعجلة، للحفاظ على المصالح العربية المشتركة ويحدد الأولويات ويركز على مجالات العمل ذات الأثر السريع على الشعوب العربية.
وأكد تبون، أن التحدي الإصلاحي للجامعة العربية، أصبح اليوم أكثر إلحاحا، بشكل يتطلب وضع منهج جديد لمعالجة القضايا العربية بكل مسؤولية وانطلاقا من الواقع الراهن، كما أصبح من الضرورة الإسراع بإصلاح منظمة العمل العربي المشترك حتى تتمكن الجامعة العربية من الاضطلاع بدورها في العمل المشترك ومجابهة التحديات ومواكبة التطورات الحاصلة.
وفي هذا الشأن، دعا رئيس الدورة 31 لمجلس جامعة الدول العربية، إلى توجيه جهود المواطن العربي من خلال إشراكه كعنصر فاعل في صياغة العمل المشترك، وتوفير بيئة مساعدة من خلال استغلال الصناديق العربية لمساعدة الدولة المحتاجة، وتمكين الشباب من المبادرة والإبداع، والتوجه نحو التكامل العربي في عالم شديد الترابط والتنافس.
وبخصوص قضايا الأزمات السياسية، أكد رئيس الجمهورية، أن القضية الفلسطينية تبقى القضية المركزية في صميم انشغالاتنا وسلم أولوياتنا، خاصة وأنها تتعرض إلى مساع للتصفية بسبب مواصلة قوات الاحتلال الاعتداءات الجسيمة لتوسيع مستوطناته، ومصادرة الأراضي والممتلكات وهدم المنازل وتشريد السكان الأصليين بما فيها مدينة القدس وما صاحبها من مخططات لطمس هويتها، إضافة إلى الحصار الذي تتعرض له مدينة نابلس واضطهاد الشعب بحي الشيخ الجراح في ظل الصمت العالمي الرهيب.
وأمام ما وصفه “عجز مجلس الأمن بالأمم المتحدة عن حل الدولتين”، شدد على مضاعفة حشد الدعم السياسي والمادي لتمكين الشعب من حقوقه ووقف الجرائم واسعة النطاق في حقه.
ودعا إلى التمسك الجماعي بمبادرة السلام العربية بكافة عناصرها، لأنها السبيل الوحيد لإحلال السلام في الشرق الأوسط وقيام السلام العادل يضمن للشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة في حدود 1967 وإنهاء احتلال كافة الأراضي العربية بما فيها الجولان بسوريا.
واستكمالا للجهود التي تقوم بها الجزائر، أعلن عن التوجه لإنشاء لجنة اتصالات وتنسيق عربية من أجل دعم القضية الفلسطينية، مؤكدا استعداد الجزائر نقل هذا المطلب الحيوي إلى الأمم المتحدة والمطالبة بعقد جمعية استثنائية لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
بالموازاة مع ذلك، جدد رئيس الجمهورية تهنئة الفصائل الفلسطينية بالاتفاق التاريخي الذي رعته الجزائر، وكلل بـ«إعلان الجزائر”من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية، ودعا القادة العرب إلى توحيد الجهود من أجل استكمال هذا المشروع الوطني، وطيّ صفحة الخلاف من خلال تنظيم الاستحقاقات الوطنية المنصوص عليها في “إعلان الجزائر”.
وبشأن الأزمات التي تشهدها ليبيا وسوريا واليمن التي مازالت تبحث عن حل، دعا رئيس الجمهورية جميع الأطراف إلى تفضيل الحوار الشامل والمصالحة الوطنية بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، لرسم مستقبلها في حرية وكرامة، ودعا إلى الحكمة والتبصر لاستعادة زمام المبادرة الكفيلة بحقن الدماء ولمI الشمل العربي.
الرئيس التونسي: وضع رؤية عربية جديدة لتجاوز الانقسامات
دعا رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، في كلمة ألقاها بالمناسبة، أمام القادة العرب، إلى وضع رؤية جديدة تعكس الوعي الجماعي بتوحيد الصفوف ونبذ الانقسامات وإيجاد الحلول لكل الخلافات بمسؤولية عميقة، لحفظ سيادة واستقلالية الدول العربية.
وقال سعيد أن جميع القضايا العربية الجوهرية ما تزال للأسف معلقة، زادتها التحولات الإقليمية والدولية تعقيدا، وهو ما يدفع إلى ضرورة إحياء العمل العربي المشترك والتأقلم السريع والفعال مع التحولات الدولية الراهنة، وفق منهج تكاملي يقوم على القواسم التي تجمعنا.
وتساءل “كيف نطلب الدعم والمساندة من جهات أخرى في قضايا نختلف فيها، ونفتقد للرؤية الواضحة”، مؤكدا أنه حان الوقت لتوحيد المواقف حتى تستعيد سوريا عافيتها، واليمن سعادته، وليبيا عافيتها، وحتى يستطيع العرب قيادة قضاياه.
واسترسل قائلا: نحن بحاجة إلى إرادة مشتركة لإيجاد حل مشترك هو إقامة نظام اقتصادي عربي مشترك قادر على الصمود إزاء تخلفات التقلبات العربية واحتواء الضغط الدولي والتفاعل مع بقية الشركاء أي كان، من موقع الندية والمساواة.
وقال “القادة اليوم مطالبون بالخروج بقرارات عملية وتحديد البرامج والمشاريع الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي والمائي باعتباره أحد دعائم الأمن القومي الشامل”، واقترح اعتماد آلية لانعقاد قمة تنموية للوصول إلى هذه الأهداف على المدى المتوسط، كما دعا إلى تعزيز وإصلاح المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية ليقدم المقترحات الكفيلة بالاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الشعوب العربية وتحقيق التأثير الملموس في واقع الشباب، وتوفير له مناصب العمل بدلا أن يقع ضحية للإرهاب وشبكات الاتجار للبشر، والجريمة غير المنظمة.
وأكد الرئيس التونسي، أن العرب بحاجة إلى إصلاح عميق لمنظمة الجامعة العربية وفق مقاربات مبتكرة تقوم على حوار شفاف، وتأخذ أولويات المنطقة وتحدياتها ضمن مقاربة شاملة قائمة على التضامن وعلى لمّ الشمل تحت مظلة عربية واحدة.
وبخصوص نصرة الشعوب العربية دوليا، شدد الرئيس التونسي على ضرورة حمل جميع القضايا العادلة على نفس المقاييس والمعايير، والتنسيق مع مختلف الأشقاء، على أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة في جدول أعمال المجموعات الدولية في مختلف الاستحقاقات والمؤتمرات حتى لا تغيب فلسطين ويغيب هذا الحق عن دائرة اهتمام أي إنسان في العالم يتوق للعقل ويتشوق للحرية.
وأكد أنه “لا يمكن أن يعم السلام ويكون هناك وئاما، إلا باستعادة الحق الفلسطيني الذي لا يمكن أن يسقط بالتقادم وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف”.
وأشاد بمساعي الرئيس تبون الحميدة، التي توجت بلمّ الشمل الفلسطيني وترتيب البيت الفلسطيني، واعتبر المصالحة شرطا أساسيا لمواجهة قوات الاحتلال وإبلاغ الصوت الفلسطيني الواحد للمجموعة الدولية والإنسانية كلها.
وفي نفس هذا الإطار المتعلق بالمصالحة، دعا الليبيين إلى لمّ الشمل وتحقيق المصالحة الكاملة، لأن الحل لا يمكن حسبه إلا أن يكون ليبيا- ليبيا وهو ما تم التأكيد عليه هنا في الجزائر وتونس.
وخلص إلى القول إننا اليوم أمام لحظة فارقة من تاريخ أمتنا أملته المستجدات والتحولات المتسارعة التي تنير بتشكيل مشهد دولي جديد، يجب أن تتجاوزه البلدان العربية لتساهم في ولادة عالم جديد يعمه الأمن وتسوده العدالة في كل مكان.
الجزائر تتسلم رئاسة القمة العربية
قبل ذلك، تسلمت الجزائر متمثلة في رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مساء أمس، رئاسة الدورة 31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وذلك خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال هذه القمة التي يحتضنها المركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” بالجزائر العاصمة.
وقد تسلم الرئيس تبون رئاسة الدورة من الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي ترأست بلاده الدورة 30 للقمة العربية سنة 2019.