تدفع استعادة الاقتصادي الوطني لتوازناته الكبرى وتوهج السياسة الخارجية، باتجاه رفع نسق جهود الدولة للحفاظ على المكاسب الحالية والوفاء بعديد الالتزامات الهامة على الأمد المتوسط، خاصة في ظل تحديد أهداف طموحة، على غرار الانضمام لمجموعة «بريكس».
تكشف التقارير الرسمية الخاصة بالمالية العامة للدولة، عن تعافٍ معتبر للاقتصاد الجزائري من تداعيات الأزمة المزدوجة المرتبطة بانهيار أسعار البترول والركود الذي فرضه الحجر الصحي لتفادي تفشي فيروس كورونا.
يفتح ما تحقق لحد الآن، الباب للتعامل مع التحديات التالية، والمتمثلة في مواصلة بناء نموذج اقتصادي جديد كليّ يقوم على آلة إنتاجية وطنية تلبي الاحتياجات المحلية والتصدير نحو الخارج، وكذا الحفاظ على وهج الدبلوماسية الجزائرية.
وتملك الحكومة حاليا، بنكا من الأهداف، تحسبا للسنة المقبلة، يلخصها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، في تحقيق «الإقلاع الاقتصادي». ويؤكد أنها مرحلة موالية للتعافي ستسمح بوضع الجزائر في مدارها الطبيعي ضمن الدول الأكثر والأسرع نموا في العامل.
ويتوقع التقرير الخاص بمشروع قانون المالية 2023، إغلاق السنة الجارية بنسبة نمو 3,7٪، وهي الأعلى في المنطقة المغاربية، وتجعل الجزائر سادس أسرع اقتصاد نموا في المنطقة العربية. ويتطابق ذلك مع تقارير صندوق النقد الدولي الصادرة في الثلاثيَيْـن الماضيين.
النسق التصاعدي المبين في المالية العامة للبلاد خلال السنوات الثلاث المقبلة، يضع قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات في مقدمة بناء اقتصاد منتج خارج قطاع المحروقات. وبالتالي، فإن المبالغ المحصلة هذا العام من النفط والغاز والتي ينتظر أن تفوق 50 مليار دولار بنهاية ديسمبر، يجب أن توظف بشكل فعال في تطوير قطاعات النشاط الأخرى، خاصة وأن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حدد أهدافا دقيقة ينتظر بلوغها، كرفع نسبة إنتاج الحبوب بنحو 70٪ وتعزيز مقومات الأمن الغذائي، ورفع حصة مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام إلى حدود 10٪.
ولأول مرة في تاريخ البلاد، لا تقتصر الخطط الاقتصادية للبلاد على الشأن الوطني المحض، إذ تتم العملية بانفتاح على شركاء خارجيين، من حجم تكتل دول «بريكس» (البرازيل، روسيا، الصين، الهند وجنوب إفريقيا).
وبعد شراكة مخيبة للآمال ومكلفة للاقتصاد الوطني مع الاتحاد الأوروبي، تتجه الجزائر إلى تكتل يحقق 42٪ من الناتج العالمي، ويشغل 40٪ من المساحة الجغرافية للعالم.
وبالموازاة مع مساعي مراجعة اتفاق الشراكة مع المجموعة الأوروبية، الموقع سنة 2005، ستباشر الجزائر، في الأيام القليلة المقبلة، مباحثات جادة للانضمام إلى «بريكس». وبعد ترحيب كل من روسيا والصين، سيكون هناك عمل ينبغي إنجازه مع ثلاث بلدان صديقة هي جنوب إفريقيا والبرازيل والهند.
ومع وصول الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، مجددا إلى الحكم، يتوقع أن يعرف مسار انضمام الجزائر إلى المجموعة مرونة عالية، خاصة وأنها تملك القدرة على تلبية أغلب الشروط.
وستكون أول استراتيجية للحكومة الجزائرية، في اتجاه الانفتاح الحقيقي على مثل هذه التكتلات، تعديل قانون النقد والقرض، والذي أعلن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، الشهر الماضي، بأنه جاهز وسيأخذ، قريبا، طريقه نحو المناقشة والمصادقة بالبرلمان.
وإلى جانب هذه الأهداف الاقتصادية الطموحة للغاية، تدرك الجزائر أن بلوغها يجب أن يتم بتلبية الاحتياجات الداخلية وحماية القدرات الاستهلاكية للمواطن من جهة، والتكيف مع المناخ الدولي الصّعب من جهة ثانية.