رحبت روسيا، على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ودول إفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، برغبة الجزائر الانضمام إلى عائلة «بريكس».
قال بوغدانوف في مؤتمر صحفي «نرحب برغبة شركائنا والأشخاص ذوي التفكير المماثل في الانضمام إلى عمل تنسيقات مثل «بريكس» ومنظمة شنغهاي للتعاون وغيرها، حيث نعمل بنشاط، وروسيا لديها علاقات ممتازة مع الجزائر ونحافظ على حوار يقوم على أساس من الثقة المتبادلة»، مؤكدا أنه يجري بحث هذه المسألة في إطار العمل الجماعي في بريكس.
وجاءت تصريحات بوغدانوف، عقب ترحيب جمهورية الصين، التي أكدت على لسان وزير شؤون خارجيتها، «وانغ يي»، ترحيبها برغبة الجزائر في الانضمام إلى عائلة «بريكس»، مشيرة إلى أن الجزائر بلد ناشئ كبير وممثل للاقتصادات الناشئة.
أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نهاية شهر جويلية الماضي، خلال لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية، توفر الجزائر على نسبة كبيرة جدّاً من الشروط الاقتصادية المؤهلة للانضمام إلى مجموعة «بريكس» التي تهم الجزائر، باعتبارها قوة اقتصادية وسياسية، ما يتيح للجزائر الابتعاد عن جاذبية القطبين، لكونها رائدة في عدم الانحياز، وعليه، فهذا هو اتجاهها.
وكان الرئيس تبون قد أشار في سبتمبر الفارط، خلال افتتاح أشغال لقاء الحكومة والولاة، إلى أن الجزائر تسعى إلى رفع الدخل القومي «بشكل يمكننا من الانضمام إلى مجموعة «بريكس»، مؤكدا العمل في هذا المسعى.
وأكدت ليلى زروقي، المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الكبرى بوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، لدى حلولها ضيفة على أمواج الإذاعة الجزائرية، الأثنين المنصرم، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، كان من بين 12 رئيس دولة الذين تكلموا في اجتماع «بريكس» بالصين، وكانت للجزائر فرصة المشاركة في تلك القمة التي خرجت بقرار الانفتاح على إدراج الدول الأخرى. وعليه، قدمت الجزائر طلبا للانضمام، وقد أيدت كل من روسيا والصين الخطوة، فيما تدرس بقية دول المنظمة (جنوب أفريقيا، الهند والبرازيل) الملف قبل البت فيه.
كواشي: وزن دبلوماسي
في هذا الشأن، يبرز الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي، البروفيسور مراد كواشي، أن انضمام الجزائر إلى هذا التكتل الذي يجمع الدول الخمس الأسرع نموا في العالم، سيسمح لها بتوطيد وتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول المنظمة، وبالأخص روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس الأمن، ما سيكسبها مزيداً من الوزن الدبلوماسي. ويضيف البروفسور كواشي، أن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي أبان عن فشله بعد عدة سنوات من إبرامه، بحيث لم تستفد الجزائر الشيء الكثير من الاستثمارات الأوروبية، أو من تحويلاتها التكنولوجية، بل على عكس ذلك خسرت مليارات الدولارات على شكل إعفاءات ضريبية للسلع الأوروبية، وبالتالي فانضمامها إلى مجموعة «بريكس» سيكون أحسن بديل لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد النقلة المسجلة في اختيار وضبط الشركاء الاقتصاديين، إذ أصبحت الصين التي ترأس حاليا «بريكس» أكبر مورد للجزائر بحجم واردات تقدر بـ17 مليار دولار، علاوة على تضاعف حجم استثماراتها في الجزائر، فيما يعتمد النسيج الصناعي الوطني بشكل معتبر على المواد الأولية الصّينية.
ويأتي تزايد الاهتمام الصيني بالاقتصادي الجزائري، بحسب ذات الخبير، تطبيقاً لاستراتيجية الحزام والطريق التي تسعى إلى ضم 100 بلد في العالم إلى مدار بكين، باعتبارها ستصبح مركزا للجاذبية الاقتصادية العالمية، ونظرا لموقع الجزائر الاستراتيجي وإمكاناتها الكبيرة، فهذا يضعها ضمن أولويات بكين في مساعيها الاستثمارية في إفريقيا، وكذا مساعي دول «بريكس» للتمدد داخل القارة.
ويرى البروفيسور مراد كواشي، أن تغيرات كثيرة ستطرأ على الاقتصاد الجزائري في حال ولوج التكتل، أولها متعلق بالعملة حيث سيعرف الدينار الجزائري انتعاشا، نظراً لاعتماد دول المنظمة في تعاملاتها على سلة عملاتها الخاصة، ما من شأنه إعطاء الدينار نفساً جديدا، كما يمكن للجزائر الاستفادة من التجارب الرائدة لدول المنظمة في مجال الإلكترونيات والفلاحة والطاقة والمناجم والصناعة. وبحسب ذات المتحدث، فإن «بريكس» تستحوذ على 40٪ من صادرات الطاقة في العالم، وعليه فإن انضمام الجزائر إليها سيزيد من قوتها الطاقوية على المستوى العالمي من خلال رفع النسبة إلى نحو 50٪.
ويؤكد كواشي، أن الالتحاق بـ «بريكس» يستدعي تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ولسنوات متتالية، والجزائر حققت معدلات نمو عالية هذا العام، ومؤشرات اقتصادية كلية جيدة جداً، واستطاعت الصمود اقتصادياً في زمن الأزمة الصحية، بالإضافة إلى كونها إحدى أكبر الدول الإفريقية من حيث الإمكانات والقدرات الاقتصادية، خاصة الطاقوية، التي تعززت بالاكتشافات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن ما يشجع الجزائر على الالتحاق بالمجموعة، هو علاقاتها المتميزة مع الأضلاع الخمسة المكونة لها. وعليه، فإن الانضمام إليها، مسألة وقت فقط، يؤكد أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي.
لعلا: مكتسبات ومزايا
من جهته، يعتبر الخبير الاقتصادي والباحث في السياسات الاقتصادية بجامعة الأغواط، البروفيسور رمضاني لعلا، أنه بإمكان الجزائر تحقيق عدة مكتسبات ومزايا من خلال انضمامها لمجموعة «بريكس» التي تعد منظمة دولية مستقلة، من أهدافها التشجيع والتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين أعضائها، حيث تستطيع الاستفادة من التجارب الاقتصادية الناجحة لهذه الدول الناشئة والسريعة النمو، من خلال تبادل الخبرات والاستراتجيات في مختلف القطاعات الاقتصادية. كما ستساعد الخطوة الاقتصاد الجزائري على إحداث تحويلات وفق مفاهيم ومعايير حديثة، تواكب التحديات الاقتصادية العالمية، يدعمها في ذلك موقعها الجغرافي المتميز والاستراتجي بشمال إفريقيا وجنوب أوروبا، المسهل للعمليات اللوجستية، والذي يمكنها من أن تصبح قاعدة صناعية ولوجستية إضافية لدول كبرى، كالصين والهند والبرازيل، الساعية إلى التعمق في الأسواق الإفريقية، من خلال الاستغلال الأمثل للموقع الاستراتيجي لبلد تعتبر مفترق طرق بين القارات، ومدخلا آمنا إلى عديد الدول الإفريقية، حيث تتميز الجزائر باستقرار سياسي وأمني يرفع من جاذبية البلد في مناخ المال والأعمال، ما من شأنه الدفع بقطاع الخدمات بالجزائر على رأسها النقل بأنواعه والتأمين والموانئ وشبكة البنوك، ولذلك فـ «بريكس» ستكون فرصة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المرجو، خصوصاً وأن دول التكتل تمتلك أكبر منظومات سلاسل الإمدادات العالمية، والتي يمكن أن تعتمد عليها الجزائر في تطوير قطاعيها الصناعي والفلاحي لتحقيق التنويع الاقتصادي.
ويؤكد البروفيسور رمضاني، أن الطبيعة الجيولوجية للجزائر التي مكنتها من العديد من المعادن والثروات الطبيعية الهامة، مثل الحديد، النحاس، الذهب، الرصاص، الزنك، الفحم، النفط والغاز الطبيعي، ستحفز دول المنظمة، على رأسها الصين والهند، اللتان تمتلكان شركات استثمارية قوية ومتطورة تكنولوجيا، في مجال استغلال الموارد الطبيعية والمنجمية، على القدوم والاستثمار في الجزائر. علاوة على هذا، فولوج باب المنظمة، سيعزز التبادلات التجارية الجزائرية ويسرّعها، عبر معاملة تفضيلية بين أعضاء المجموعة، وقد يسمح هذا التحالف بتوفير مصادر إضافية للسيولة المالية، من خلال بنك التنمية الذي استحدثته دول المجموعة.
وبحسب ذات المتحدث، فإن هذا التكتل الاقتصادي الجديد، سيسمح للجزائر بالاستفادة من مشاريع مشتركة ومن قواعد صناعية قوية بهذه البلدان، ومن وفرة كبيرة للمنتجات الغذائية، زيادة على إمكانية الاستفادة من استثمارات ضخمة في القطاع الفلاحي مع روسيا والبرازيل، بالأخص في شعبة الحبوب، نظرا لما تمتلكه هاتان الدولتان من تجربة وشركات قوية ذات تكنولوجيا عالية، ستساعد الجزائر، لا محالة، في تقوية أمنها الغذائي المستقبلي.
في سياق ذي صلة، يرى الباحث في السياسات الاقتصادية بجامعة الأغواط، أن شروط الانضمام إلى مجموعة «بريكس» يمكن تحديدها في بعدين أساسيين، الاقتصادي والسياسي. وللجزائر علاقات اقتصادية وسياسية متميزة مع معظم دول التكتل. فالصين على سبيل المثال، تعتبر أول مورد للجزائر، أما وروسيا فهي الشريك الأول في قطاع الفلاحة والصناعات العسكرية. كما أن أغلب المؤشرات الاقتصادية الخارجية الجزائرية إيجابية، خاصة ما تعلق منها بالميزان التجاري ومعدل نمو احتياطي الصرف، واستقرار العملة وكذا حجم المديونية الخارجية، كما تتوفر البلاد على كل المؤهلات الاقتصادية اللازمة المشجعة على الانضمام إلى مجموعة «بريكس»، فهي واحدة من أكبر الدول في أفريقيا من حيث المساحة والحجم الاقتصادي، والثروات الطبيعية والمؤهلات البشرية.
وسبق لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أن أكد، في وقت مضى، أن نسبة كبيرة جدا من الشروط تتوفر في الجزائر وتمكنها من الالتحاق بالمجموعة.
ويشير البروفسور لعلا في الأخير، إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها الجزائر مؤخرا، من خلال استحداث قانون استثمار جديد، من أهدافه الأساسية، فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية مع تحفيزات كبيرة، إضافة إلى سنِّ قوانين خاصة بمحاربة الفساد وإرساء مفاهيم الحوكمة، والتي ستدعَّم عن قريب بقانون النقد والقرض؛ كلها نقاط إيجابية إضافية تدعم ملف الجزائر في اللحاق بهذا التكتل العالمي الذي يجمع الدول الخمس الأسرع نموا في العالم.