نظر المشرّع الجزائري بعين الحكمة، حين وضع أوّل مرّة، شرطا ضروريا للحصول على اعتماد يسمح بفتح «صيدلية»، وهو شرط متعلّق بتعداد معيّن للسّكان في منطقة ما، ينبغي استيفاءه كي يصدر الاعتماد.
ونحسب أن المشرّع اضطرّ إلى وضع هذا الشّرط، بالنظر إلى عدد الصّيادلة الذي كان قليلا جدا مع إشراقة الاستقلال الوطني، مقارنة بتعداد السكان؛ ولهذا، كان على القانون أن يضمن تقديم الخدمات لجميع المواطنين، في كلّ أنحاء الوطن، وكان الشّرط موضوعيا للغاية..
وتغيّرت الظّروف كثيرا، غير أن الشّرط القانوني بقي على حاله، فقد صارت كلية الصّيدلة تخرج كل عام مئات، إن لم نقل آلاف الصّيادلة، ولكنّهم يكتشفون أنّ التّخرج من الكلية، ليس سوى إحالة مباشرة على «البطالة»؛ ذلك لأنّ الصّيدلي المتخرّج ينبغي أن يخضع لشرط «التّعداد السّكاني»، فيسلم ملفا إلى مديرية الصّحة بولايته، ثم ينتظر إلى أن يأتي الفرج، ويتضاعف عدد السكان في واحدة من المناطق، كي يتاح له افتتاح صيدلية جديدة.. وهكذا، تحوّلت قوائم الصيادلة عند المديريات إلى طوابير طويلة، يمكن أن يبلغ الواحد من الصيادلة فيها سنّ التّقاعد، دون أن يحظى بصيدليته..
ونعتقد أنّ عمل الصّيدلي يتضمّن شقين اثنين، أولهما خاضع لوزارة الصحة، وهذا طبيعي جدّا، بينما يخضع الثاني إلى وزارة التجارة، واجتماع الوصايتين لا يفسد للصّيدلي قضية، خاصة وأنّ عدد الصّيادلة اليوم يكفي لتغطية حاجة السكان وزيادة، ولا نرى ما يحول دون تحرير الصّيادلة المتخرّجين من شرط التعداد السّكاني، فهو لم يكن سوى حاجة للمشرّع قضاها، وحقّق بها ما يخدم المواطنين..
نعلم أنّ المسألة دقيقة للغاية، فهي بين حق الصّيدلي في العمل، وحق المواطن في صيدلية قريبة، ولا نشكّ مطلقا بأنّ مراجعة القانون قد تأتي بما يحقّق مصلحة الطّرفين معا..