يشرح مختصون في علوم الإعلام والاتصال أهم ما جاء في مشروع القانون الناظم لقطاع الإعلام، الذي من المنتظر مناقشته على مستوى البرلمان بغرفتيه قريبا، موضحين لـ”الشعب” أن ثقافة التحيين القانوني لهذا القطاع المتسارع في وتيرة تطوره، حالة صحية لمواكبة وتأطير الممارسة الإعلامية، خاصة في ظل الفوضى الرقمية، ومقتضيات الحتمية التقنية في صون السيادة الرقمية على الإعلام بتقنينه..
قالت أستاذة الإعلام والاتصال بجامعة تيبازة مريم ضربان في تصريح لـ “الشعب”، إن هذه الحالة تسمى “الضبط الرقمي” للإعلام الإلكتروني بعد “الضبط الإعلامي” للميديا الكلاسيكية فخلال قوانين القطاع 1982 و1990 و2012 وما يتخللها من مراسيم وأوامر ولوائح، تم طرح فكرة النقائص بين كل قانون وما سبقه، إلا أن خصوصية الجزائر تكمن في ضبط للإعلام وفق مبدإ المسؤولية الاجتماعية، والرهان على أن تكون حرية الإعلام مبوبة بثلاثية مهمة في عالم أخلاقيات الإعلام وهي الاحترافية والمهنية، الحرية والتعددية، الهوية السياسية والأخلاقية للدولة الجزائرية .
ثقافة شاملة للضبط الرقمي
واستطردت قائلة “القوانين التي تخرج عن جودة الاحتراف والمهنية، وعن الحق في الحرية وفق مسؤولية، وعن عدم احترام ثقافة الدولة التي يمارس فيها الإعلام ستؤدي إلى فوضى حقيقية والتهديد للأمن الإعلامي”.
فالقانون العضوي 12 – 05 الذي وضع أطرا قانونية لضبط النشاط الإعلامي في الجزائر، أكد على استحداث الإعلام الإلكتروني الذي سيتم بموجبه التنظيم والتفسير للقطاع، وهو ما تجلى فعليا في إصدار المرسوم التنفيذي 20-332 الذي يحدد كيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الالكتروني.
ولا يتعلق الأمر فقط بدوريات ومواقع رقمية، فهناك الإشهار والإعلان الرقميين، وجرائم الإعلام الرقمي “من مخالفات وجنح وجنايات” خاصة الدعاية والتضليل الرقميين والشتم والقذف والإشاعات، والتي كثرت زمن الجائحة وهنا لا يجب أن ننسى تأثير السياق العام الثقافي والسياسي والاجتماعي على استحداث القوانين ومراجعتها حتى نفهم محتوياتها، وهو عمق تخصص “أخلاقيات الإعلام”.
ممارسة إعلامية على بيئة رقمية
أضافت الأستاذة أن القراءة المضامينية في المرسوم التنفيذي 20-332 والمتكون من 42 مادة والمستند إلى 24 نصا مرجعيا، ضمن الجريدة الرسمية رقم 70 لسنة 2020 أكد على ثلاث أفكار رئيسة أهمها الشروط والالتزامات، التصريح بصحة المعلومة ومراقبتها، وهنا تجلت عمق الإضافات التي قدمها المرسوم، أولا يعد نصا تمهيديا للممارسة الإعلامية على البيئة الرقمية، ثانيا حدد الأطر العامة بشكل الجريمة الإلكترونية منها الأخبار الكاذبة “فايك نيوز” والمضللة والمجهولة المصدر ومكافحة خطابات الكراهية والتمييز.
وجاء في نص المادة 13 أيضا “ يتعين على المسؤول عن وسيلة الإعلام عبر الإنترنت، اتخاذ التدابير والوسائل اللازمة لمكافحة المحتوى غير القانوني في إطار احترام أحكام المادة 2 من القانون العضوي رقم 12-2015 المؤرخ في 18 صفر عام 1433 الموافق 12 يناير سنة 2012 والمذكور أعلاه والتشريع المعمول به، ولاسيما كل محتوى يتضمن التحريض على الكراهية أو العنف أو التمييز على أساس الانتماء الجهوي أو العرقي أو الديني أو الرأي السياسي أو الإيديولوجي أو نوع الجنس”.
ونوه المرسوم بوجوب التصريح بالتمويل وجهاته وهو ما يدخل ضمن مقاربة الأمن الاقتصادي في ظل الخطر على العملة من العملات الرقمية ومن الهويات الرقمية المجهولة والمشبوهة.
توطين التمويل الإعلامي
صرحت الأستاذة مريم ضربان بخصوص مشروع القانون الجديد المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، والمتكون من ثمانية أبواب برسم 82 مادة والمعلن عنه قبل يومين، أنه يعد حصيلة نقاشات وتشاور لتثمين تصريح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في اليوم الوطني للصحافة بـ “الإسراع في استكمال إعداد النصوص القانونية ذات الصلة في الآجال الـمعقولة، ويتعلق الأمر على الخصوص بالقانون العضوي للإعلام، وقانون السمعي البصري، وقانون الصحافة المكتوبة، وقانون الصحافة الالكترونية” .
وتناول المشروع القانوني للإعلام محاور مكملة وشاملة لما سبقها- تضيف المتحدثة – خاصة ما تعلق بالتمويل ومصادره، أخلاقيات وآداب المهنة، التكوين والاحترافية، حماية الصحفيين، والحماية من القرصنة “اعتداءات الهاكرز” والفئات الرقمية مثل النطاق ورقم القراء ومرئية المواقع والمنصات، بوصف المشروع “تنظيما أشمل لمجال الصحافة المكتوبة والإلكترونية، لإبعادها عن كل أشكال الاستغلال، مع التصريح بمصادر التمويل” و«تجميع شركات الطباعة العمومية، ضمن مخطط تسيير جديد، تحت وصاية مؤسسة واحدة، يمكن تسميتها بالمؤسسة الوطنية للطباعة”.
أما عن استبعاد المال الفاسد من الاستثمار في الإعلام، طبقا للمادة السابعة منه، “مكونات رأسمال المؤسسة الناشرة ومصدره “ترى الأستاذة أنه تم الفصل في باب إصدار النشريات خاصة ما يعتبر في الإعلام منصة “رقمية خالصة” أو وسيلة رقمية تابعة لنظيرتها الكلاسيكية “، وهو الفرق المهم لدينا في الإعلام في النشر الإلكتروني الخالص والموازي.
الخبرة والتكوين رهانان للإعلام الاحترافي
كما أن توظيف الصحفيين بالخبرة والتكوين والتعليم العالي، يخدم الاحترافية والجودة الصحفية، من خلال المادتين 29 و31 من خلال المؤهلات والخبرة التكوينية.
وأشارت المتحدثة إلى اهتمام القانون بثقافة النطاق “دي زاد” لحماية المرئية العمومية للنطاق الجزائري من دواعي السيادة الرقمية، ومنه تجلى اهتمام القانون بضرورة رصد القراء الرقميين للموقع، وهي نقطة إيجابية لدراسات الجمهور الرقمي في حقل الإعلام والاتصال عبر تقنين الممارسة، خاصة وأنه من خلال المادة رقم 34 نفى صفة الإعلام الإلكتروني عن أي ممارسة “شخصية” للتدوين والترويج الإشهاري بوصفها مكملات لنشاطات صناعية وتجارية، وهذا هو “الضبط الرقمي” الذي أشارت إليه سابقا، كما ثمنت استحداث مجلس لأخلاقيات وآداب المهنة لحماية الإعلام والصحافيين .
..تنظيم أشمل للمجال
يرى أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 حسين حني، أن إصدار قانون للصحافة الإلكترونية في الجزائر سيسمح بتنظيم أشمل للمجال، وذلك بإبعادها عن كل أشكال الاستغلال، إذ سيستحدث مثلا مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية، والتي ستتكفل بضبط نشاطات الصحافة الإلكترونية، كما سيتم استبعاد المال الفاسد من المشاريع الإعلامية وتطويق أي محاولات لإهانة الصحفيين بالقول أو بالإشارة بإخضاعهم لقانون العقوبات.
كما حدّد مشروع القانون يتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، كيفية ممارسة نشاط الصحافة، وإخضاعها للقواعد الخاصة بتنظيمها وضبطها ورقابتها، ويقترح مشروع القانون الجديد إخضاع النشرية الدورية، والصحف الالكترونية المنشأة لنظام التصريح وهذا تكريسا لأحكام المادة 54 من دستور 2020 بدل الاعتماد، كما يحدد المشروع مهام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية المنشأة بموجب القانون العضوي المتعلق بالإعلام في مجال ضبط نشاط الصحافة المكتوبة والالكترونية
وتضطلع أساسا – حسب المتحدث – بضمان التعددية الإعلامية ومنع التأثير المالي والسياسي، أو الإيديولوجي لنفس المالك، والسهر على حصول المواطن على المعلومة عبر كامل التراب الوطني وعلى جودة الرسائل الإعلامية.
وأوضح بخصوص المشروع أنه يولي تكريسا لمبدإ تعددية الآراء والفكر اهتماما بالغا لمنع تمركز النشريات الدورية والصحف الالكترونية، وذلك بتحديد عدد النشريات والصحف الالكترونية المسموح امتلاكها أو مراقبتها من كل شخص طبيعي يتمتع بالجنسية الجزائرية أو معنوي خاضع للقانون الجزائري بنشرية واحدة أو صحيفة الكترونية.
وأكد أستاذ علوم الإعلام والاتصال، أن مصادر الخبر الموثوقة أحد أهم مقومات نجاح الإعلام الإلكتروني، وأحد أهم تحدياتها في ظل الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم، وكذا الحروب الإلكترونية التي تستهدف العديد من الدول في أمنها القومي خاصة.