يحدّد مشروع قانون يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، الأحكام المتعلقة بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، حيث يلغي ويحل محل القانون المؤرخ سنة 1990، ويدخل في صميم التقدم الجوهري في بناء صرح الإصلاحات التي تم مباشرتها في مجال علاقات العمل.
يهدف النص الذي تحوز «الشعب» على نسخة منه، إلى تعزيز الثقة بين الشركاء الاجتماعيين وتحسين ظروف التعبئة لصالح ورشة الإصلاح الاجتماعي الكبرى، مع مراعاة الانشغالات التي سجلها المجتمع واثارتها النزاعات الجماعية للعمل المتعددة وأثرها على الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي.
مفاوضات وآليات جديدة
وحرص المشرّع من خلال النص، على الالتزام بإرساء بيئة اجتماعية لا يتم فيها اللجوء إلى الإضرابات إلا كملاذ أخير، بعد استنفاد طرق التسوية الودية من خلال الحوار والتشاور والمفاوضة الجماعية واحترام الإجراءات القانونية لممارسة حق الإضراب بشكل قانوني من أجل تجنب الإضرابات الفوضوية، لاسيما في المصالح الأساسية، على نحو يحفظ الحق في الإضراب والحق في العمل.
وبهذا الصدد، وفي مجال الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، وبغرض جعل إجراءات تسوية هذه النزاعات أكثر فعالية، ترمي الأحكام الرئيسية لهذا القانون إلى تحديد الأجل الأدنى لعقد اجتماعات دورية بين ممثلي العمال والمستخدمين من أجل تعزيز أحكام توافقية متوازنة وفعالة، تسمح بحل النزاعات الجماعية من خلال التفاوض والحوار، وإنشاء آليات مبتكرة للوقاية من شأنها أن يكون لها تأثير فعال في خلق مناخ ملائم للاستثمار والسلم الاجتماعي.كما يحدد النص سالف الذكر إلزام المنظمات النقابية للعمال والمستخدمين بإجراء مفاوضات مسبقة لإيجاد إجابات للمطالب المهنية والاجتماعية وفقاً للتشريع والتنظيم المعمول بهما وأحكام الاتفاقيات الجماعية للعمل.
تمديد الآجال القانونية للمصالحة إلى 15 يوما
وقد تم تمديد الآجال القانونية لمرحلة المصالحة من ثمانية أيام إلى خمسة عشر يوما بدلاً من أربعة إلى ثمانية أيام، لإتاحة الوقت اللازم لمفتشية العمل لدراسة وإيجاد أرضية للاتفاق حول مختلف نقاط النزاع الجماعي للعمل. ولهذا الغرض تم استعمال المصالحة كوسيلة لتسوية النزاعات حيث أثبتت فعاليتها كلما توفرت الشروط المناسبة لتنفيذها.
كما يمكّن النص التشريعي وزير القطاع المعني أن يطلب من الوزير المكلف بالعمل، عرض النزاع على مفتش العمل لإجراء مصالحة ثانية، عندما يتعدى النزاع الجماعي للعمل إطار المؤسسة ويؤثر على خدمة أساسية، مع إجبارية اللجوء إلى الوساطة في حالة فشل المصالحة، حيث تعد كيفية أكثر فعالية لحل النزاعات مما يمكن أن تقدمه الجهة القضائية المختصة، لاسيما وأن الوسيط مسجل في قائمة الوسطاء المحددة من قبل الوزير المكلف بالعمل، بعد استشارة المنظمات النقابية للعمال وللمستخدمين الأكثر تمثيلا، وإعلام أعضاء الحكومة والسلطة المكلفة بالوظيفة العمومية والولاة ورؤساء المجالس الشعبية البلدية والمفتشيات الولائية للعمل بها.
الوساطة بديل لتسوية النزاعات
وفي حالة حدوث خلاف بين طرفي النزاع على تعيين وسيط، يسمح مشروع القانون لوزير القطاع وللوالي ولرئيس المجلس الشعبي البلدي التدخل لتعيين وسيط تلقائيا من هذه القائمة، كما يتيح النص تكييف إجراءات المصالحة على مستوى الهيئات والإدارات العمومية، وإدراج الوساطة الاختيارية في حال نشوب نزاع جماعي للعمل، وهذا نظرا لأهمية المرفق العمومي ومكانة الموظف في القطاع الإداري.
وفي هذا الصدد، يشير النص إلى أن النزاعات الجماعية للعمل، تلحق الضرر بالإدارة في تأدية مهامها کمرفق عمومي، كما أن للإضرابات المتكررة في هذا القطاع، تأثير على حقوق مرتفقي المرفق العمومي، وعليه تظهر أهمية الوساطة كأسلوب بديل لتسوية النزاعات الجماعية، الأمر الذي يسمح بالوصول إلى تجديد الحوار بين أطراف النزاع الجماعي.
ويمكّن النص السلطة العمومية المعنية من اللجوء إلى التحكيم الإجباري عندما تقتضي ضرورات اقتصادية واجتماعية ذلك، بعرض النزاعات الجماعية للعمل، التي تنشب في المصالح الأساسية التي قد يؤدي انقطاعها إلى تعريض حياة وسلامة وصحة المجتمع جميعهم أو بعضهم إلى الخطر، عندما يتم الشروع في الإضراب، وفي هذه الحالة يرفع النزاع أمام لجنة تحكيم وطنية مختصة بالنظر في نزاعات العمل الجماعية التي تمتد إلى كامل التراب الوطني أو تتعلق بعدة ولايات أو أمام لجنة تحكيم ولائية مختصة في النزاعات التي تنشأ في حدود الولاية.
شروط وكيفيات ممارسة الإضراب
يكرس مشروع القانون فكرة الحق في الإضراب في ظل احترام حقوق جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك حقوق مرتفقي المرافق العمومية الأساسية، قصد وضع حد للاستعمال غير القانوني لهذا الحق وإخراج عالم الشغل من دوامة الإضرابات العشوائية والمفاجئة التي لها عواقب ضارة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
كما أجرى مشروع القانون زيادة على ذلك عدة تعديلات تتعلق بشروط وبكيفيات ممارسة حق الإضراب، الذي يعرف على أنه « توقف جماعي ومتفق عليه عن العمل بهدف دعم المطالب المهنية المحضة المتعلقة بوضعية العلاقات الاجتماعية المهنية والظروف العامة للعمل»، حيث يمارس الإضراب وفق الشروط والكيفيات التي يحددها مشروع هذا القانون والتي يجب أن تكون مع متطلبات المؤسسة واستمرارية الخدمة العمومية، بمجرد استنفاد وسائل تسوية النزاع. ويعد الإضراب غير قانوني إذا كان يهدف إلى تلبية مطالب سياسية، أو لمدة غير محددة، مفاجئ متقطع أو تضامني، أو له غرض أجنبي عن المصلحة المهنية للعمال، أو الذي تتم ممارسته دون احترام للإجراءات القانونية والاتفاقية، أو إذا نتج عنه أعمال عنف واعتداءات وتهدیدات ومناورات احتيالية، بهدف المساس بحرية العمل أو تحريض العمال الأجراء غير المضربين على الانضمام إلى توقف عن العمل متفق عليه، كما يعد إضرابا غير قانوني في حالة مخالفة لاتفاق مصالحة أو وساطة أو حكم تحكيمي واجب النفاذ.
رفع مدة الإشعار بالإضراب لـ 15 يوما
ويحدد مشروع القانون قواعد جديدة تتعلق بممارسة حق الإضراب، إذ ينص على أن قرار الإضراب يجب أن يتخذ عن طريق التصويت السري، بالأغلبية المطلقة للعمال الحاضرين في جمعية عامة تضم ثلثي 3/2 العمال الذين يتكون منهم العمال المعنيين على الأقل، على أن يثبت بمحضر محضر قضائي وبحضور ممثلي المستخدم أو السلطة العمومية المختصة.
كما يحدد مشروع النص لأول مرة مضمون الإشعار بالإضراب من أجل وضع حد للإضرابات الفوضوية، حيث يجب أن يتضمن الإشعار بالإضراب لاسيما اسم المنظمة النقابية التمثيلية أو أسماء ممثلي العمال المنتخبين في حالة عدم وجود تمثيل نقابي، وكذا لقب واسم وصفة عضو هيئة القيادة أو الإدارة للمنظمة النقابية التمثيلية أو ممثل العمال المنتخب الموقع على الإشعار، ومدة الإضراب وسببه ومكانه وتاريخ الشروع فيه وتوقيته. ويوضح المشروع أيضا أن الإشعار يبدأ من تاريخ إيداعه لدى المستخدم ومفتشية العمل المختصة إقليميا، مقابل إشعار بالاستلام، مع رفع مدة الإشعار المطلوبة، قبل البدء في الإضراب، من ثمانية أيام إلى عشرة أيام عمل وإلى خمسة عشر يوم عمل في قطاعات الأنشطة الأساسية طالما أن الإضراب قد يتسبب في ضرر بليغ بالمجتمع. كما تحدث المشروع سالف الذكر عن الأثر المالي للإضراب حيث ينص على أن أيام الإضراب لا تؤدي إلى أي تقاضي للأجر بسبب غياب الخدمة نتيجة الإضراب، حيث لا يكفل حق الإضراب حماية العمال الأجراء الذين يشاركون في إضراب غير قانوني، كما يجب على العمال المضربين العودة إلى العمل في غضون ثمان وأربعين (48) ساعة. ويتعرض العامل الذي يستأنف عمله في نهاية هذه الفترة، دون سبب شرعي، لتطبيق الإجراءات التأديبية طبقا للتشريع والتنظيم ساري المفعول.
الحق في توقيف الإضراب
ويؤكد مشروع القانون على إجراء التسخير المطبق على بعض العمال الأجراء والأعوان العموميين المضربين الذين يشغلون وظائف ضرورية لسلامة الأشخاص والممتلكات والحفاظ على النظام العام، أو لتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع أو قصد مواجهة مختلف الوضعيات الاستثنائية أو العاجلة، بما في ذلك الأزمات الصحية. ويمكن للسلطة العمومية المختصة المعنية، المتمثلة في وزير القطاع أو الوالي رئيس المجلس الشعبي البلدي في أي وقت وبحسب نطاق النزاع الجماعي، أن تقوم بتسخير العمال المضربين الذين يشغلون هذا النوع من الوظائف.
ويتعلق الأمر بعمل السلطة العمومية الذي ينوّه بأن ممارسة حق الإضراب لا ينبغي أن يؤدي إلى عدم احترام المبادئ الدستورية الأخرى فيما يتعلق بالمصلحة العامة، وبالتالي، فان العمال الأجراء والأعوان العموميين المسخرين ملزمين باستئناف عملهم تحت طائلة تطبيق الإجراءات التأديبية طبقا للتشريع والتنظيم ساري المفعول.
الإضراب ممنوع في هذه القطاعات والحالات
ويمنع مشروع القانون اللجوء إلى الإضراب في ميادين الدفاع والأمن الوطنيين، وللمستخدمين الذين يمارسون وظائف السلطة باسم الدولة في القطاعات الإستراتيجية والحساسة السيادية وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للأمة، والتي قد يؤدي توقفها إلى تعريض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر أو من المحتمل أن يؤدي الإضراب، من خلال آثاره، إلى أزمة خطيرة على أن يحدد التنظيم قائمة القطاعات والمستخدمين والوظائف المعنية بمنع اللجوء الى الإضراب.