مثلما كشفت الإحصائيات والأرقام التي قدمها وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبّي، المتعلقة باسترجاع الأموال المنهوبة، عن فضاعة عمليات النهب الممنهج الذي تعرضت له البلاد في الفترة السابقة، فإنها كشفت عن حجم الجهود المضنية خلال الثلاث السنوات الأولى التي أعقبت تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون سدّة الحكم، والتي أثمرت عن استعادة جزء كبير من هذه الأموال بمختلف صيغها، وهي القضية التي تثير الرأي العام عقب كل خرجة رسمية حولها وتطرح عدة تساؤلات يجيب عن أهمها أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر -01- البروفيسور أحمد دخينيسة في هذا الحوار .
«الشعب”: التزم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون باسترجاع الأموال المنهوبة، وتحقق جزء كبير من ذلك بعد 3 سنوات من العمل على مستوى وزارة العدل، انطلاقا من خبرتكم القانونية، ما هي قراءتكم لهذه الخطوة التي تعد الأولى من نوعها؟
البروفيسور أحمد دخينيسة: إنّ ما تم تحقيقه هو نتيجة لإرادة رئيس الجمهورية، فالترسانة القانونية كانت موجودة وتجسدت بفضل تلك الإرادة حيث فعلت الهيئات السيادية، وخاصة القضاء الذي عمل بوتيرة قوية وبتجنيد الضبطية القضائية، وما النتائج إلا عربون يقدم للشعب الجزائري لكسب ثقته، وهي معيار لمصداقية الالتزام الرئاسي، وتمت وفقا لمحاكمات قانونية بجميع الضمانات الأساسية، وهي التي تؤسس لمصداقية و فعالية القضاء كأساس لدولة القانون.
حرص وزير العدل على التطرق الى عمل الوزارة خطوة بخطوة، وثقّتها 3 مجلدات كاملة وقعت في 1.400 صفحة، تتحدث عن استرجاع ما لا يقل عن 20 مليار دولار، بالرغم من أن استرجاع هكذا أموال ليس بالأمر الهين وذلك ردا على المشككين.. ما مدى أهمية هذا الانجاز؟
لا شك أن الانجاز عظيم، و ما ردّ المشككين إلا دليلا على ذلك، ولهذا الإنجاز أهمية سياسية بالأساس، فهو يدشن عهدا حديثا قائما على حكامة جديدة ركيزتها الأساسية هي شفافية الحياة العامة، في أبعادها السياسية والاقتصادية، وهو ما كُرّس في التعديل الدستوري في الفاتح نوفمبر 2020، وتكمن الأهمية الاقتصادية في كون مكافحة الفساد في شقيه السياسي والاقتصادي شرطا لتحقيق طفرة اقتصادية، كما بدأت تؤتي ثمارها في مجال الاستثمار والصادرات خارج المحروقات، وهي من جهة أخرى إشارة لعالم الأعمال لبداية إرساء مناخ أعمال كجزء لمنظومة بيئية système écho بضمانات لصالح المستثمرين وخاصة الأجانب منهم.
إن النتائج تحمل معاني الرّدع المطلوب لإرساء قواعد سلوك اجتماعي تقوم على أساس النزاهة، والكفاءة في الوصول والولوج واكتساب المكانة الاجتماعية، حيث الجزاء الاجتماعي جزء من منظومة قائمة على التنافس والتعاون في نفس الوقت، لأداء اجتماعي منسجم في مكوناته الاقتصادية والسياسية، ولترسم معالم المرور لمرحلة نوعية جديدة، تسمح للفاعلين المؤسساتيين والاقتصاديين بحوكمة فعالة، التي تعد الشرط الأساسي لنجاعة السياسات العمومية، في أفق تحقيق الإصلاحات، التي دشنها بداية تطبيق الإصلاح الميزانياتي ( القانون العضوي رقم 18/15).
قال وزير العدل إن هذه الأرقام والإحصائيات المتعلقة باسترجاع الأموال المنهوبة أولية وستكون هناك أرقام وحقائق أخرى تُكشف في قادم الأيام، من الجانب القانوني لماذا تستغرق عملية استرجاع الأموال والأملاك المنهوبة وقتا كبيرا؟
إن عملية استرجاع الأملاك المنهوبة عملية قانونية ومادّية معقدة وتتعلق بآجال وإجراءات محددّة، ويتدخل العديد من الفاعلين للوصول الى تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، وقد يقتضي الأمر بعض الاجتهاد في سبيل تجسيدها وخاصة أن بعض الحلول قد طبقت، كإدماج المؤسسات الاقتصادية في القطاع العمومي الاقتصادي (الأموال التجارية للدولة)، وإدماج بعضها ضمن أملاك الدولة واستغلالها وتخصيصها لبعض المرافق العمومية وبالنسبة لبعضها ويمكن أن تؤول إلى البنوك العمومية بواسطة تحويل ديونها لدى تلك البنوك الى حق ملكية، و يمكن إبداع حلول تتوافق مع القانون، وتحقق القيمة الاقتصادية لتلك الأصول العقارية والمنقولة
كشف الوزير عن عقارات وأملاك منهوبة استرجعتها الدولة، كيف يخول القانون تصرف الدولة في هذه الأملاك؟ وما هو مصيرها من الناحية القانونية، أو بالأحرى كيف يمكن تحويل هذه الأملاك والعقار لفائدة الخزينة العمومية وبالتالي لفائدة الشعب؟
لقد وجه رئيس الجمهورية الى إيجاد حلول واقعية وفي أسرع وقت وبتأسيس إجراءات بسيطة للتسريع في العملية من باب المصداقية ومن باب الفعالية، والرئيس يتابعها بحرص ولتكون عبرة مزدوجة، من حيث مواصلة تطهير الحياة الوطنية من الفساد، ومن حيث الإشارة بالانطلاقة الجديدة لبناء صرح سياسي اقتصادي قائم على الشفافية .
هل يؤسس استرجاع المال العام لمرحلة جديدة في جزائر جديدة، يتم فيها القضاء نهائيا على الفساد والنهب؟
لاشك في أنّ استرجاع الأملاك المنهوبة يؤرخ للمرور لمرحلة جديدة تتميز بالقطيعة مع الفساد والمفسدين، وتؤسس لحكامة جديدة ترتكز على مبادئ دولة القانون والمصداقية والشرعية لكل المؤسسات، وتحكمها متطلبات الشفافية في تسيير الشؤون العمومية في كامل أبعادها السياسية والاقتصادية لتحقيق الصالح العام.
كيف تتوقعون أن تسير عملية استرجاع بقية الأموال المنهوبة على اختلاف أشكالها؟
ستشهد العملية تسريعا بفعل التوجيهات الرئاسية وخاصة مع صدور الأحكام النهائية القضائية، التي حثت على تبسيط الإجراءات وفعاليتها والتي بحكم ضخامة الأملاك المنهوبة المسترجعة، ستؤثر في النشاط الاقتصادي، والحفاظ على مناصب الشغل، فالأمر يتعلق بمصانع ضخمة لإنتاج منتجات قيمة كالاسمنت والحديد والزيت والزفت، وشركات تركيب سيارات والأشغال العمومية، الخ ..
إننا نشهد بزوغ عهد جديد تتحقق فيه أمنيات الشعب في العيش في كنف النزاهة و المصداقية والعدالة الاجتماعية كبعد أساسي للدولة الجزائرية، تحقيقا لبيان نوفمبر 1954.