أثار عدد من الباحثين الكبار، في الأيام الماضية، مسألة «الدّراسات الثّقافية» بالوطن العربي، وأسهبوا في الحديث عمّا تضيف الجامعات العربية إلى هذا الحقل المعرفيّ المنيف، والفتوح العلمية التي تتحقّق (لنا) في كلّ الأقطار، وهذا أمر نعتزّ به، وهو يعبّر عن جهود ينبغي تثمينها، والحرص على تحقيق مزيد من المعارف في جميع حقول المعرفة الانسانية..غير أنّ واقع الحال، على مستوى «الدّرس الثّقافي»، أو على مستوى «الواقع المعيش»، جعلنا نتريّث بعض الشيء في تناول الموضوع..
ونعترف أنّنا لم ننشغل بـ «الدّراسات الثّقافية»، لأنّنا نعتقد أن المرحلة تقتضي منح الأولوية لـ «المصطلح» و»المنهج»، تقويما وقراءة، من أجل الإلمام بالخلفيات الفلسفية التي يتمأسس عليها كل مفهوم نقدي، خاصة وأنّ ناقدا كبيرا مثل «فرانسوا كوسي» يقول صراحة إنّ الدّرس الثقافي في فرنسا، مختلف تماما عن نظيره الأنجلوسكسوني؛ ذلك لأنّ الفرنسيّين اقتحموا ما أطلقوا عليه اسم «الدّراسات الثقافية» بشكل مفاجئ، قبل أن يحقّقوا الانتقال من «المادية الجدلية» إلى «الكانطية الجديدة»، أو ما يعرف بـ «الفردانية المنهجية» في علم الاجتماع، ما جعلهم ينتجون دراسات ثقافية لا علاقة لها بتلك التي تأسّست في الستينيات بالمملكة المتحدة..
مشكلتنا، إذن، مطروحة على مستوى «نظرية الانتقال»، ولا يخفى أنّ العالم العربي يحاول أن يحقّق الانتقال نحو الكتابة الخالصة (العقل الكتابي) تحت إكراه انتقال عالمي جديد نحو «كتابية شفاهية» فرضتها التكنولوجيات الجديدة، وهذا يعني أن الباحث الأكاديمي العربي يتحمّل على عاتقه هموما ثقيلة، تفرض عليه التعامل مع واقع خاص جدّا، مختلف تماما عمّا هو عند الفرنسيس والأنجلوسكسون معا..
أمس، أطلقت منصّة «نتفليكس» فيلما جديدا وسمته بعنوان (أنتم أيّها النّاس)، وروّجت له باسم «أيدي ميرفي»، كي تصنع «مصالحة عجائبية» بين الدّيانات التي صارت تسمى (إبراهيمية)، و»نتفليكس» – كما يعرفها العالم – لا تعوي في سبيل الله.. فإن لم تكن الجامعات العربية قادرة على قراءة الواقع الثّقافي المعيش، فهي غير مجدية..