الأزمة الصحية جعلتهم يواجهون عقبات أكثر تعقيدًا
كنا قد رأينا في مقال سابق كيف اقترحت اليونسكو أفكارا حول مستقبل التعليم، كما تطرقنا إلى تأثير جائحة كوفيد19 على التعليم، وفي نفس الوقت أهمية هذا الأخير في مواجهة الجائحة. نعود اليوم لنركّز على فئة تعدّ الأكثر تضررا من الأزمة الصحية العالمية، فئة التلاميذ والمتعلّمين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك من خلال إطلالة على إصدار «دليل حول توفير التعلم المفتوح والتعلم عن بعد للطلاب ذوي الإعاقة أثناء إغلاق المدارس: تحسين الاندماج في التعلم في ظلّ جائحة كوفيد19»، الذي أصدره بشكل رئيسي معهد التعلّم الذكيّ بجامعة بكين للمعلمين، وشاركت فيه وترجمته إلى العربية منظمة ألكسو.
وضعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو»، بين يديْ القرّاء والمهتمين العرب، النسخة العربية من إصدار «دليل حول توفير التعلم المفتوح والتعلم عن بعد للطلاب ذوي الإعاقة أثناء إغلاق المدارس: تحسين الاندماج في التعلم في ظلّ جائحة كوفيد19»، الصادر شهر أوت الماضي، عن معهد التعلّم الذكيّ بجامعة بكين للمعلمين (SLIBNU)، بالتعاون مع العديد من المنظمات الشريكة، من بينها الألكسو. ويمكن تحميل نسختيْ الإصدار العربية والإنكَليزية مباشرة من موقع المنظمة.
وفي تقديمه للإصدار، وصف المدير العام لألكسو محمد ولد اعمر هذه الوثيقة بكونها «دليلًا مرجعيًّا للمدرّسين، وأولياء الأمور، وصانعي السياسات، والمعلمين، ومصمّمي البرامج والمحتويات التعليمية في مجال التعلّم المفتوح والتعلّم الإلكتروني عن بعد بغرض تيسير استيعاب الطلاب ذوي الإعاقة خلال جائحة كوفيد19، ومساعدتهم من خلال استعراض مختلف الأساليب المتطوّرة والمبتكرة لإعداد وتصميم الموارد التعلميّة المفتوحة والتعليم عن بعد».
وقالت «ألكسو» إن تقديمها هذه النسخة العربية يأتي في إطار جهودها «الرامية إلى إثراء المكتبات الرقمية العربية بأحدث الإصدارات العلمية التكنولوجية، وتعزيز دور تكنولوجيا المعلومات والاتصال في عصرنة وتنمية مجتمعاتنا العربية والنهوض بها، وتعزيزًا لمساعيها الحثيثة للتصدّي إلى ظاهرة انقطاع الدراسة الناتجة عن تفشي فيروس كوفيد19 بجلّ الدول العربية، من خلال مبادرتها للتعليم الإلكتروني لمجابهة انقطاع التعليم وضمان استمراريته بالدول العربية»، في وقت خلّفت الجائحة العديد من التداعيات الخطيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي في جلّ دول العالم، ولم تكن الدول العربية في منأى عنها.
رؤية شاملة
كما سبق القول، شارك في إعداد الدليل، إلى جانب اليونسكو، خبراء من مختلف الجهات، نذكر منها معهد التعلم الذكي التابع لجامعة بكين للمعلمين، والرابطة الدولية لبيئة التعلم الذكية، ومنظمة أليكسو، ومعهد البحوث للابتكار والتكنولوجيا في التعليم في إسبانيا، وجامعة الشرق الأدنى.
وانطلق هؤلاء من مجموعة من الإحصائيات والأرقام، التي تقدم صورة أوضح للعلاقة بين التعليم والإعاقة، وتأثير وباء كورونا. ووفقًا للتقرير العالمي حول الإعاقة، الذي نشرته منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، «هناك ما يقارب ملياري شخص من ذوي الإعاقة في العالم، وهذا يمثل 37.5 ٪ من سكان العالم». من جهة أخرى، نجد أن الأطفال ذوي الإعاقة «معرضون أكثر من غيرهم لخطر الاستبعاد من التعليم». وبسبب تدابير مواجهة فيروس كوفيد19، «يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة، بما في ذلك الطلاب، عقبات أكثر تحديدًا في ممارسة حياتهم اليومية والتعلم». وذكرت اليونسكو هذه السنة أن «معدل الذين لا يلتحقون بالمدرسة ممّن يعانون من إعاقة حسية أو جسدية أو ذهنية أعلى بمرتين ونص من أقرانهم غير المعاقين، لأنهم يواجهون عقبات أكثر تعقيدًا».
على هذا الأساس، يناقش هذا الكتيب التعلم المفتوح والتعلم عن بعد للطلاب ذوي الإعاقة خلال جائحة كوفيد19، من خلال عرض قصص وتجارب حية. كما يصف على وجه الخصوص «الأساليب المبتكرة حول كيفية تصميم أنشطة التعلم في بيئات التعلم المفتوح والتعلم عن بعد للطلاب ذوي الإعاقة من خلال قصص توضيحية». بالإضافة إلى ذلك، يوفر هذا الإصدار «إرشادات حول تصميم مواد تعليمية يمكن الوصول إليها استنادًا إلى التصميم الشامل Universal Design». كما يوفر إرشادات للمعنيين بمختلف أشكالهم، بما في ذلك أولياء الأمور، وصانعو السياسات، والمعلمون، والمصممون، حول كيفية تسهيل التعلم المفتوح والتعلم عن بعد للطلاب ذوي الإعاقة.
تعاريف
وجدنا من أهمّ أقسام الإصدار، تعريف مجموعة المصطلحات ذات العلاقة، وارتأينا أن يتضمّن هذا المقال عددا منها، تعميما للفائدة.
الإعاقة Disability: تقرّ ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (UNCRPD) بأن:«الإعاقة مفهوم متطور، وأنها تتتج عن التفاعل بين الأشخاص ذوي الإعاقات والحواجز السلوكية والبيئية التي تمنعهم من المشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين». وتنص المادة الأولى على أن «الأشخاص ذوي الإعاقة هم أولئك الذين يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية أو ذهنية أو حسية طويلة الأمد قد تحول دون مشاركتهم الكاملة والفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين».
التعلم المفتوح Open Learning: هو نهج للتعليم يسعى إلى إزالة جميع الحواجز غير الضرورية أمام التعلم، ويهدف إلى تزويد الطلاب بفرصة معقولة للنجاح في نظام التعليم والتدريب الذي يركز على احتياجاتهم الخاصة ويقع في مجالات تعليمية متعددة.
التعليم عن بعد Distance Education: هو تعلم مخطط يحدث عادة في مكان مختلف، ويتطلب نظام توصيل معرَّف جيدًا، يتضمن تقنيات تدري معدلة وطرائق بديلة للاتصال بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر التكنولوجيا، بالإضافة إلى المكونات الإدارية والتنظيمية البديلة.
التعليم الشامل Inclusive Education: يهدف إلى ضمان أن المتعلمين ذوي الاحتياجات والرغبات المتنوعة (مثل المتعلمين ذوي الإعاقة) يستطيعون بشكل عام الحصول على فرص متساوية في الوصول إلى موارد التعلم والخدمات والخبرات.
الموارد التعليمية المفتوحة Open Educational Resources: هي مواد تعليمية وتدريسية وبحثية من أي شكل أو وسط متاحة للاستخدام العام أو أنها كانت محمية بحقوق النشر، ثم جرى تحريرها وفق ترخيص مفتوح يسمح بالوصول إليها مجانا لاستخدامها وتكييفها والاحتفاظ بها وإعادة توزيعها من قبل الآخرين.
الممارسات التعليمية المفتوحة Open Educational Practices: اعتبر وايلي وهيلتون أن الممارسات التعليمية المفتوحة هو علم التربية الذي تدعمه الموارد التعليمية المفتوحة، وعرفاها على أنها «مجموعة من ممارسات التعليم والتعلم التي تكون ممكنة أو عملية فقط في سياق السماحيات الخمسة (الاحتفاظ، وإعادة الاستخدام، والمراجعة، وإعادة التركيب، وإعادة التوزيع) التي تعَد من سمات الموارد التعليمية المفتوحة».
التصميم الشامل للتعلم Universal Design for Learning: هو نهج لمعالجة تنوع احتياجات المتعلمين من خلال اقتراح أهداف وطرائق ومواد وعمليات تقييم مرنة تدعم المعلمين في تلبية هذه الاحتياجات المتنوعة. تم تصميم المناهج الدراسية التي تم إنشاؤها باستخدام التصميم الشامل للتعلم: منذ البداية لتلبية احتياجات جميع المتعلمين. يقدم إطار عمل التصميم الشامل للتعلم تصميما مرنا لمواقف التعلم، مع خيارات قابلة للتخصيص، تتيح لجميع المتعلمين الانطلاق من نقاط بداية خاصة بكل منهم.
التكنولوجيا المساعدة Assistive Technology: أي سلعة، أو برنامج، أو قطعة من المعدات، أو نظام منتج، سواء تم شراؤه من الأسواق التجارية أو تعديله، أو تطويعه ليستخدَم في زيادة القدرات الوظيفية للأفراد ذوي الإعاقة أو الحفاظ عليها أو تحسينها.
الإدماج الإلكتروني E-inclusion: يشير المفهوم إلى تمكين جميع الأفراد من الوصول والمشاركة في كل جانب من جوانب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على قدم المساواة، هدف تعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتغلب على الإقصاء المجتمعي، وتحسين الأداء الاقتصادي، والوصول إلى فرص العمل، وتحسين المستوى المعيشي، والمشاركة الاجتماعية، والترابط.
إمكانية الوصول Accessibility: هي مدى توفر منتج أو جهاز أو خدمة أو بيئة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص. يمكن اعتبارها «القدرة على الوصول» والاستفادة من نظام أو كيان ما. غالبا ما يركز هذا المفهوم على الأشخاص ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
تحديات في الميدان
استنادًا إلى الملاحظات التي تم جمعها عبر استبيان اعتمد عليه الدليل، تم تحديد تحديات أثناء تجربة التدريس عن بعد للمتعلمين ذوي الإعاقة، نجد أولاها افتقار هؤلاء المتعلمين إلى مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وثانيها افتقار الأولياء إلى هذه المهارات. وكتحدّ ثالث، نجد دخل الأسرة المنخفض، أما التحدّي الرابع فهو نقص الأدوات المتاحة، والخامس هو نقص موارد التعلم المتاحة. وفي تحدّ سادس، تذكر الدراسة غياب التوجيه والتدريب للمعلمين، أما السابع فهو ضعف التحفيز ومهارات التنظيم الذاتي.
ثامنا، يذكر الإصدار عدم وجود مناهج تربوية جذابة، كما يذكر، تاسعا وأخيرا، تحدّي السلامة في المنزل، حيث ذكر العديد من المعلمين أنهم قلقون بشأن سلامة طلابهم في المنزل من فيروس كوفيد19، حيث قد لا يكون لديهم معلومات كافية حول كيفية حماية أنفسهم.
توصيات
كخلاصة، جمع الخبراء الذين أشرفوا على إصدار هذا الدليل توصيات لتحسين الفرص التعليمية للطلاب ذوي الإعاقة في التعلم عن بعد، موزعة على ثلاثة حزم، الأولى لواضعي السياسات، والثانية للمدربين، أما الثالثة فللمصممين ووكالات تقييم الجودة.
لواضعي السياسات:
توصي الدراسة بتطوير تقنيات رخيصة ومعقولة التكلفة، بما في ذلك التقنيات المساعدة، للتخفيف من مشكلة الفجوة الرقمية وتسهيل تعلم الطلاب عبر الإنترنت وعن بعد. كما توصي بوجوب إطلاق المزيد من المبادرات لتزويد الأسر ذات الاحتياجات الخاصة هذه التقنيات في المنزل، فضلا عن تزويدهم بأموال مكرسة لتقديم المزيد من الدعم لأطفالهم ذوي الإعاقة.
ودعا الدليل إلى تنمية كفاءات المعلمين العاملين مع الطلاب ذوي الإعاقة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإلى وضع سياسات تهدف إلى استخدام أدوات الإنترنت في التعليم بطريقة أخلاقية وآمنة وغير منحازة، وكذا دعم البحوث القائمة على الأدلة ومجتمعات الممارسات المتعلقة بتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة عن طريق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز التعاون بين المدارس والأسر ذات الاحتياجات الخاصة والوكالات الحكومية، لا سيما في سياق الأزمات مثل جائحة كوفيد19.
للمعلمين والمدربين:
دعا الدليل إلى توفير إرشادات ودورات تدريبية لأولياء الأمور والطلاب حول كيفية استخدام الأدوات التعليمية عبر الإنترنت، وإلى استخدام الموارد التعليمية المفتوحة (OER)، «لأن هذه الموارد، بخلاف المواد المنشورة بموجب رخص تجارية، يمكن تكييفها لتلبية متطلبات الوصول والمشاركة بحرية مع المجتمعات، مما يقلل من ازدواج العمل ضمن المؤسسات وبينها».
كما دعا إلى اعتماد استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأدوات الإلكترونية في جميع مجالات تطوير المناهج، ودمج الطلاب ذوي الإعاقة في الفصول الدراسية للتعليم عبر الإنترنت («الدمج» مع توفير الدعم المناسب عند الضرورة).
وأوصى الدليل باستخدام التعليم بوساطة الأقران (غالبًا ما يأخذ شكل التدريب من قبل الأقران) والتعليم التعاوني أو الجماعي، حيث يكون أحد المدرسين متخصصًا في المحتوى والآخر يتم تدريبه على منهجيات تعليم الطلاب ذوي الإعاقة، كما أوصى بتعديل طرائق التعليم والمناهج الدراسية، بما في ذلك مهارات وإستراتيجيات التعلم، واستخدام المنظمين المحترفين.
أما تدريب الأطفال والإشراف عليهم فيجب أن يكون بشكل مناسب لحمايتهم من التعرض للمخاطر التي تواكب القيام بالأنشطة عبر الإنترنت (مثل التنمر).
أخيرا، يجب إنشاء أنشطة داخلية/منزلية بديلة عن طريق التخطيط المشترك للتركي على الأنشطة اليومية، مثل فرص التعلم لأفراد الأسرة، والبرامج التلفزيونية/عبر الإنترنت المناسبة للعمر، واستكشاف مهارات جديدة ونظام الرياضة/اللياقة البدنية، وغيرها.
للمصممين ووكالات تقييم الجودة:
أوصى الدليل بتطوير إطار لتقييم جودة التعلم المفتوح والتعلم عن بعد. يمكن أن يغطي هذا الإطار عدة أبعاد، بما في ذلك محتوى التعلم وبيئة التعلم والأساليب التعليمية. كما أوصى برفع مستوى الوعي حول إرشادات إمكانية الوصول التي يجب مراعاتها في أثناء تطوير المنصات والأدوات والأجهزة عبر الإنترنت، مثل إرشادات الوصول إلى محتوى الويب (WCAG)، وكذلك التصميم العام للتعلم (UDL).
وفي الأخير، أوصى الدليل بالتعاون مع كل من المعلمين والمدارس لإنشاء طرائق لتقييم التعلم تسهل تقييم تجربة التعلم المفتوح والتعلم عن بعد للطلاب ذوي الإعاقة. على سبيل المثال، في عصر البيانات الضخمة، من الممكن استخدام تحليلات التعلم لتحليل بيانات تفاعل الطلاب لاستخراج رؤى حول عملية التعلم، وبالتالي تعزيزها.