عند بناء سور الصين العظيم، ظنّ الصينيون القدامى أنه سيشكل لهم حصنا يحمي سيادتهم، اعتقاداً منهم أن شدة علوه ستردع حتما العدو من اختراقه. ولكن خلال المائة سنة الأولى لبنائه تعرّضت الصين لثلاث غزوات. ولم تكن جحافل القوات بحاجة لاختراق السور بجنودها، بل اكتفت كل مرة بتقديم الرشاوى للحراس للدخول من الباب بأمان. وتفطن الصينيون أنهم انشغلوا ببناء حائط وتناسوا بناء شخصية الحارس.
نعم، فالتجربة برهنت أن تنشئة الإنسان هي القلعة الشامخة والحصن المنيع وصمام الأمان ضد كل الأخطار التي قد تتربص بالأمة وتهدد كينونتها.
يقول أحد المستشرقين، «إذا أردت أن تقضي على حضارة أمة، فعليك بهدم الأسرة وكسر التعليم وإسقاط القدوات والمرجعيات».
درسنا منذ الصغر، أن الأسرة هي «نواة المجتمع»، لكن من منا تعمق فعلا في معنى هذه العبارة؟ فمكانة الأسرة من المجتمع، كمكانة القلب من الجسد، إن توقف عن ضخ الأكسجين في الشرايين توقفت دورة الحياة. كذلك إن توقفت الأسرة عن أداء دورها في تزويد المجتمع بالخلف الصالح، اندحرت الأخلاق وانهارت المنظومة المجتمعية.
وما نشهده اليوم من مظاهر لشباب وشابات فقدوا بوصلة الطريق وحادوا عن تقاليد وأعراف مجتمعنا بطقوس دخيلة عنا، لمظهرٌ من مظاهر تخلي الأسرة والأم «المدرسة» عن دورها.
وماذا عن التعليم والمعلم، الذي كان بالأمس القريب قدوة يتغنّى به الشعراء والحكماء.
جائحة كورونا أخرجت أجمل وأقبح ما في الإنسان، علّمتنا الصبر عند الشدائد، والتعايش مع الأزمات والتضامن وروح التكافل والتآزر.
جعلتنا نقف على الأولويات ونترك الكماليات، لكنها كشفت في ذات الآن أسوأ عوراتنا؛ نفاق في الخطاب، تناقض في الأفعال، أنانية في التفكير، عنجهية في التطبيق. فانتشرت خطابات متناقضة وحوارات عقيمة وبيزنطية حول ضرورة الالتحاق بمقاعد الدراسة أو تركها، حفاظا على الصالح العام، غذتها جمعيات أولياء التلاميذ، ومعلمين، وتلاميذ، ومن يخصه الشأن ومن لا يخصه…
وأصبح المعلم اليوم يهان على شبكات التواصل الاجتماعي، فاستبيح وقاره، وشُكّك في ضميره وكفاءته، وطُعن في استحقاقه. هل العيب في المعلم أو في المنظومة أو في التلاميذ أو في الأولياء؟ ولمَ لا يكون الجميع مسؤولا وفي قفص الاتهام؟
فماذا عن القدوات المرجعيات؟