يتحدث البروفيسور أحمد ميزاب، الخبير الأمني، في هذا الحوار عن البعد الاستراتيجي للجزائر في افريقيا، وعلاقة مشروع طريق تندوف-الزويرات في تحقيق تنمية حقيقية في المنطقة، و”مستقبل فرنسا” في القارة السمراء.
الشعب: ما هي أهم العقبات التي تواجهها الجزائر في تجسيد بعدها الافريقي؟
أحمد ميزاب: إن المشروع الجزائري، يرى افريقيا كعمق استراتيجي وكوجود طبيعي ومنطقي باعتبارها بوابة افريقيا وأحد حصون القارة، غير أن الجزائر تستوعب جيداً بأن هذا البعد مليء بمجموعة من الألغام، تفكيكها يجب أن يمر وفق رؤية دقيقة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار بالدرجة الأولى فهم طبيعة المتغيرات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، سواء على مستوى التحولات الداخلية، أو على مستوى نمطية التفكير لدى المجتمعات الافريقية، أو على مستوى الصراع الدولي حول مناطق النفوذ.
الجزائر تدرك أن المنطقة الافريقية تعاني مجموعة تحديات، منها ما هو مرتبط بالمسألة الامنية المتعلقة بانتشار ظاهرة الارهاب التي هي صناعة تُدار في إطار خدمة مصالح.
من ناحية ثانية، الجريمة المنظمة المتكاملة الأركان، سواء في شقّها المتعلق بالإتجار بالمخدرات، ونعي جيداً من يقف وراء هذه الشبكات، ومن يغذيها وكيف يدير هذه التجارة وكيف يمول من خلالها الجماعات الارهابية.. أو من خلال التهديد المتعلق بموجات الهجرة غير الشرعية المتصاعدة، والتي أصبحت تأخذ مناحي متعدة ومختلفة.
الجزائر في مقاربتها تجاه القارة الافريقية تأخذ بعين الاعتبار مستوى وحدّة الأزمات التي تعانيها القارة، لأنها أزمات تجاوز من حيث الزمن أكثر من عقد، وهي أزمات مفتوحة بقيت بدون حلول على غرار الأزمة الليبية، المالية والنيجيرية.
من ناحية أخرى، الجزائر تعي جيداً أن السوق الافريقية سوق واعدة سواء من حيث الثروات أو من حيث حجم الاستهلاك أو من حيث الاستقطاب، وبالتالي، إذا أردنا أن نسير في إطار بناء نهضة اقتصادية حقيقية في القارة الافريقية ينبغي المرور عبر الجزائر التي هي البوابة التي يتم من خلالها التفاوض من أجل ولوج العمق الافريقي.
الجزائر تنظر الى عمقها الافريقي من خلال التحديات الموجودة وفهمها واستيعابها، ومن خلال الرهانات التي ترفع ومن خلال الامكانيات والفرص التي تستطيع من خلالها الولوج وتحقيق الاهداف المطلوبة.
كنتَ قد أشرت الى وجود حقل ألغام تواجهه الجزائر في مسعاها الى تعزيز حضورها الافريقي، هل هذه الألغام افريقية أم افريقية غربية؟
هذه الألغام لها ثلاثة أوجه، الوجه الأول هو المتعلق بالقوى الاستعمارية التي تعتبر المنطقة منطقة نفوذ، وبأن هذه المنطقة لا سيطرة لأحد عليها دون هذه الأطراف، وهذه الأطراف تحظى بسمعة سيئة في افريقيا لأنها استنزفت خيراتها دون فائدة، وعاثت فساداً في استقرار القارة الافريقية دون ما تصنع استقرار، بالمقابل، المقاربة الجزائرية مبنية على لا استغلال ولا توظيف لعلاقاتها، لأن الجزائر عمقها وكينونتها افريقيان، إذن، هدفها هو العمل في إطار تشاركي في إطار المصلحة المتبادلة وفي إطار المنفعة المتبادلة.
الوجه الآخر هو البلد الذي كان دائماً ضد استقرار الجزائر، وفي الوقت الذي كانت فيه الجزائر بمقاومتها الشعبية تحارب الاستعمار الفرنسي كان هو يحارب المقاومة الشعبية، وفي الوقت الذي كانت الجزائر تقدم أعظم ثورة في العالم في مواجهة الاستعمار الفرنسي، كان يحيك الدسائس للثورة الجزائرية، وفي الوقت الذي كانت الجزائر وأحرار العالم يحتفلون باستقلالها كان يسعى لاعتداء على سيادة الجزائر، هذا البلد للأسف هو وكيل القوى الكبرى في تنفيذ مشاريعها ومخططاتها المسمومة، وهو يعمل اليوم في إطار حرب الأفيون على إغراق دول المنطقة بالمخدرات والسموم، بل أكثر من ذلك أن عائداته من هذه السموم توجه لتمويل الجماعات الارهابية، ولا يزال يعمل الى اليوم على إحياء فكره التوسعي وعلى زعزعة استقرار المنطقة من خلال جلبه للكيان الصهيوني وإقحامه في عمق القارة الافريقية.
يضاف الى ذلك، مسالة طريقة تفكير بعض الدول الافريقية التي يجب أن تتغير، ويجب على هذه الدول أن تستوعب جيداً بأن الغرب ليس هو الجالب للثروة وليس صانعاً لها، بل أن الحضارة الغربية قامت على أنقاض القارة الافريقية، على حضارتها، على ثقافتها على أبناءها وثرواتها وأرضها انطلاقا من ذلك، تغيير السلوك هو كذلك تحدي آخر من التحديات التي يجب أن تشتغل عليها الجزائر في عمقها الافريقي.
ما الذي قد يشكله معبر مصطفى بن بولعيد وطريق تندوف-الزويرات في تجسيد البعد الافريقي للجزائر؟
فتح المعبر الحدودي وتعبيد طريق تندوف الزويرات يشكلان مشروعاً استراتيجياً متكامل الأبعاد، سواء من ناحية خلق حياة في هذه الطريق، أو في إطار خلق الحركية بين الجزائر وموريتانيا، خاصة على المستوى الاقتصادي والتجاري.
هذه الطريق سترفق بمرافق خدماتية لمؤسسات جزائرية، وهذا في حد ذاته سيقود الى الكثير من الفوائد لكلا البلدين، وسيجعل الولوج الى غرب افريقيا سهلاً وممكناً، وبالتالي سيسمح باستكمال المقاربة الاقتصادية الجزائرية على أكمل وجه.
مشروع طريق تندوف-الزويرات سيقطع الطريق أمام الأكاذيب والدجل الذي يمارسه نظام المخزن المغربي، وهو يستنزف ثروات الشعب الصحراوي ويستغل الأراضي الصحراوية في ممارسات غير شرعية، ويحاول استخدام الأراضي الموريتانية في تنفيذ مآربه التخريبية التي تمس موريتانيا، والصحراء الغربية والجزائر.
ومن ناحية أخرى على مستوى البعد الامني سيسهم هذا المشروع في خلق الحياة في هذه المساحة وسيعمل على انحصار التهديدات الأمنية باعتبار أنه كل ما كانت تنمية وحياة اقتصادية كل ما انحصرت التهديدات الامنية وتراجعت.
هل استهداف المغرب للمدنيين في المناطق الحدودية بالطائرات المسيّرة من شأنه تقويض هذا المشروع أو التأثير على سيره وآجال إنجازه؟
هذه الممارسات لن تحُد ولن تؤدي الى التراجع، بل على العكس، قد تدفعنا الى التفكير أكثر في خلق الحياة في هذه المناطق وفي مواجهة العقلية الرعناء للمخزن المغربي، الذي يعتقد بأن له الوصاية على كامل المنطقة وهو لا يمتلك حتى الوصاية على نفسه لأنه ليس سيد نفسه.
أنا على يقين أن مثل هذه السلوكيات سيأتي وقت وتوضع لها حدود بأي منطقة من المناطق المتاحة، سواء بالقانون الدولي أو بأي منطق آخر، لأنه يجب علينا أن نستوعب بأن نظام المخزن المغربي يدرك تماماً اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنه يعيش حالة عزلة حقيقية، ويعيش حالة حصار، ومحيطه كله هو محيط أثار فيه روح العداء، وبالتالي، فهو يعيش حالة من حالات الانحصار والتي تؤدي في نهاية المطاف الى ارتكاب الأخطاء الاستراتيجية، والأخطاء الاستراتيجية هي أخطاء مكلفة بشكل كبير لأن آثارها تكون على المدى القصير وليس على المدى البعيد.
مجموعة أخطاء بدأت تبرز اليوم نتيجةً لهذه الممارسات التي يرتكبها نظام المخزن المغربي، هي أولا أنه لم يعد يمتلك مفهوم السيادة بمعناها الحقيقي حينما جلب الكيان الصهيوني وجعله يوقع اتفاقيات أمنية، عسكرية ودفاعية، وجعله مسلوب لمفهوم السيادة بكل معانيها، بل أن البلاط الملكي اليوم أصبح مخترقاً وأصبح يدار من أطراف أخرى، إضافة الى اتساع الهوة بين هذا النظام والشعب المغربي في حالة استثنائية غير مسبوقة، ناهيك عن حالة العداء على كافة المستويات.
المغرب لم يعد يمتلك علاقات مستقرّة مع دول حوض المتوسط، فهو ملاحق اليوم في أروقة الاتحاد الأوروبي بتهم الجوسسة وشراء الذمم أو بغيرهما من الممارسات السلبية، يكفي أن كل التقارير الاوروبية اليوم تتحدث عن خطر نظام المخزن المغربي من حيث المخدرات التي أغرقت القارة الأوربية.
التقارير الاسبانية تتحدث عن حجز غواصات مسيرة تنقل المخدرات من المغرب الى اسبانيا.
كل هذه الافرازات تقودنا الى أن حالة الانحصار التي يعيشها المخزن أدت الى ارتكاب جملة من الأخطاء الاستراتيجية التي ستكون مكلفة بشكل كبير جدا لهذا النظام الفاقد للوعي وللشرعية وفاقد كذلك للتوازنات.
أشرت في حديثك الى أن شعوب افريقيا بدأت تسترجع بعض الوعي، وتسير نحو تسيير أمورها بيدها، هل يمكن القول إن فرنسا قد خسرت افريقيا؟
فرنسا تعيش اليوم حالة انكماش في قارة افريقيا، ليس من السهل القول إن فرنسا خسرت افريقيا، لأنه ليس من السهل على فرنسا أن تسلّم هذه المنطقة بهذه السهولة، بدليل المناورات التي نراها اليوم من قبل فرنسا والتي هي تأكيد على أنها تناور في إطار خلط الأوراق، وفي إطار العبث باستقرار المنطقة بأكملها لاستعادة موطئ قدمها في كثير من المناطق التي تعتبرها مناطق نفوذ، وبالتالي نحن اليوم نتحدث عن انكماش الدور الفرنسي في القارة الافريقية لصالح الشعوب الافريقية، وهو ناتج عن مجموعة من الاعتبارات منها التحوّل في الفكر والوعي لدى الكثير من الشعوب الافريقية والتقائها في نقطة واحدة مع الانظمة السياسية الجديدة التي أصبحت كلها متفقة مع شعوبها على طرد الوجود الفرنسي من المنطقة.
“الشعوب الافريقية أشهرت البطاقة الحمراء في وجه التواجد الفرنسي”
النقطة الثانية تصاعد التنافس الدولي في المنطقة، والتي أساليبه تختلف عن الأساليب التي اعتادت فرنسا على استخدامها في المنطقة، وبالتالي كل هذه المعطيات والمتغيرات أدت الى هذا الانكماش، واليوم يمكن القول بأن الشعوب الافريقية أشهرت البطاقة الحمراء في وجه التواجد الفرنسي وأصبحت تطالب علناً بطرد الوجود الفرنسي، سابقاً مالي واليوم نتكلم عن بوركينافاسو التي أنهت العمل باتفاق ديسمبر 2018 وأصبحت تطالب برحيل فرنسا بعدما أمهلتها فترة شهر من أجل الخروج من أراضي بوركينافاسو، كل هذه المؤشرات دليل على أن قواعد اللعبة بدأت تتغير في المنطقة.
في ظل تغير قواعد اللعبة في المنطقة، وفي ظل التحولات العالمية نرى الجزائر في رواق أفضل لأن تكون لها مواقع متقدمة على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى صناعة الاستقرار في دول المنطقة، بدليل إشادة العديد من دول العالم لاتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي، ناهيك عن تقدم الجزائر في تحمّل أعباء العديد من المشاريع ذات البعد الافريقي، كل هذا أعتقد بأنه يدخل في ميزان قراءة الحسابات وفهم التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة الافريقية.
كلمة أخيرة..
الجزائر في بعدها الافريقي كانت تسهم بشكل كبير جداً في صناعة الاستقرار، وفي تسوية النزاعات وفي لعب دور الوساطة والمرافعة من أجل أن تكون هناك تنمية حقيقية في القارة الافريقية بعيداً عن الاستغلال وبعيدا عن التوظيف السيء والسلبي.
الجزائر في بعدها الافريقي هي تبني مقاربتها على محاور استراتيجية اساسية تنطلق أولا من استعادة طبيعة القارة الافريقية، ومن واقع التجاذبات والصراعات الدولية على مناطق النفوذ في القارة الافريقية، والتي كانت دائما توظف الأزمات في إطار إبقاء العديد من دول المنطقة تحت السيطرة ومن خلال كذلك خلق الازمات والاستثمار فيها وإدارتها بالشكل الذي يسهم في استنزاف ثروات وخيرات هذه الدول.