تؤكد رسالة وكالة الأنباء الجزائرية أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون غاضب وبشدة حول طرق تسيير بعض الملفات الاقتصادية المرتبطة برفاهية وكرامة الجزائريين، بسبب التقاعس والبيروقراطية والحمائية المبالغ فيها، فضلا عن الاجتهاد الخاطئ الذي انعكس سلبا على الرؤية أو التوجه الإصلاحي الذي يقوده رئيس الجمهورية بغية تجديد وتحسين وضع الجزائر والجزائريين.
قال دكتور الاقتصاد عثمان عثمانية، أنه إذا أردنا أن نحكم على حصيلة الحكومة منذ 2020 إلى غاية اليوم، يمكن القول إنها شرعت في تصحيح مسار الاقتصاد عن الانحرافات التي عرفها نتيجة عقود طويلة من اللاكفاءة والفساد الممنهج. وبعض ثمار ذلك قد بدأت فعلا في الظهور، مثل تعديل بعض القوانين (الإطار التنظيمي والقانوني الخاص بالمؤسسات الناشئة، قانون الاستثمار، مراجعة قانون النقد والقرض، …)، ارتفاع قيمة الصادرات خارج المحروقات لتصل إلى 7 ملايير دولار أمريكي لأول مرة …الخ، وبالمقابل هناك الكثير من النقاط التي تتطلب عناية خاصة من قبل الحكومة، لا تزال تراوح مكانها.
ومع ذلك ـ أضاف يقول ـ من الإنصاف أن نأخذ بعين الإعتبار أن الأحداث العالمية التي ميزت سنوات 2020-2022 من جائحة كوفيد-19 إلى الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، كان لها أثر كبير على عمل الجهاز التنفيذي، كما تسببت في الكثير من المشاكل التي تخرج عن تحكم السلطات الوطنية، مثل ندرة بعض السلع، ارتفاع تكاليف النقل دوليا وارتفاع الأسعار.
ويضيف الخبير في السياق “وتأتي هنا الإجراءات بخصوص تخفيض فاتورة الاستيراد، والتي حسب رأيي لها جانبان إثنان: الأول هو حماية الاقتصاد الوطني، خاصة القطاعات الاقتصادية الهشة من المنافسة الأجنبية، وهذا بالتأكيد لصالح الاقتصاد الوطني، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الجهاز الإنتاجي الوطني مازال في مرحلة الانطلاقة، ما يتطلب دراسة دقيقة ومحددة للمنتجات التي يمكن إيقاف استيرادها تماما وتلك التي يتعين على الوزارة تحديد حصص استيرادها فقط.
أما الجانب الثاني هو القضاء على الممارسات غير القانونية واللاأخلاقية التي يعمد إليها الكثير من المستوردين بتضخيم الفواتير واستيراد سلع غير ضرورية أو غير مطابقة للمعايير والمقاييس. وهنا تحدث رئيس الجمهورية بوضوح أنه لا يرغب في الحمائية، وبالتالي فالمقصود من تطهير ملف المستوردين هو تطهيره من الفساد ومن الممارسات اللاأخلاقية ومن الاستيراد العشوائي.
وأفاد عثمانية أن تأخر إنجاز بعض المشاريع يعتبر في صلب «تقاعس» بعض المسؤولين، والإجراءات البيروقراطية التي لا تزال تميز عمل الجهاز التنفيذي والإدارة الجزائرية عموما. بالتأكيد، الإدارة ظلت توصف بـ «البيروقراطية الجامحة»، وهذا راجع إلى تعدد الإجراءات وتعقد بعضها، بل ويصل الأمر أحيانا إلى تداخل الصلاحيات بين أكثر من إدارة، وهذا يترتب عليه تكلفة اقتصادية هائلة على الاقتصاد، وتكلفة اجتماعية ونفسية على أفراد المجتمع، تصل إلى فقدان الثقة بمؤسسات الدولة وما يتبعها من لامبالاة وسلوكيات سلبية.
إذن، المشكل معروف، برأي المتحدث، والحل أيضا معروف وهو رقمنة الإجراءات، مثلما دعا إليه رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا، والتي ينتج عنها بساطة وسهولة في القيام بالإجراءات المختلفة، انخفاض التكلفة، والأهم هو الشفافية التي تطبع المعاملات المختلفة جراء ذلك، دون ذلك، أعتقد أنه لا يوجد حل سريع وفعال لتسلط الإدارة على الاقتصاد والمجتمع. يضاف إلى ذلك ضرورة إيجاد أجهزة معلومات وإحصاء كفؤة لتقديم البيانات والأرقام، والتي ينبغي أن تكون ذات مصداقية دقيقة، وفي الوقت المناسب لخدمة صناع القرار، وهنا أعتقد أن فسح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في هذا الميدان أمر أساسي اليوم.
وقال الدكتور عثمان عثمانية انه من المعروف أن قرارات الاستثمار لا تتحمل التأجيل، خاصة في ظل رهان السيد الرئيس على بناء اقتصاد قوي بعيدا عن تقلبات أسعار المحروقات. ومن الملاحظ أن العديد من المشاريع التي يعول عليها قي ذلك لا تزال تراوح مكانها، مثل مشروع استخراج الفوسفات شرق البلاد وتثمينه عبر سلسلة صناعات تحويلية، إلا أن المشروع يعرف تأخرا، خاصة في جانب مد خطوط السكك الحديدية، الذي لم يكتمل إلى اليوم.
لذلك، يعتقد أن ضعف التخطيط في مثل هذه المشاريع يأخذ وقتا أكثر من اللازم، وذلك ينعكس في تكلفة عالية على الاقتصاد الوطني ككل. ولابد من الإشارة هنا إلى أن مشاريع من هذا المستوى تتداخل فيها القرارات والصلاحيات بين أكثر من وزارة واحدة، وبالتالي فقدان الانسجام بينها يخلق مشاكل على مستوى الإنجاز. وأعتقد أن وصف الرئيس للمسؤولين بالتقاعس هنا، هو نتيجة لمنحهم صلاحيات كاملة في الإدارة وأيضا أن الأهداف التي يسعون لتحقيقها واضحة، ما يجعلهم محل مساءلة، وهذا ما يتوقع أن ينجر عنه إجراءات مرتقبة.