حققت رواية «منّا» للدكتور الصديق حاج أحمد، أمس، فتحا جديدا للصرح الرّوائي الجزائري، بوصولها إلى القائمة القصيرة لـ«البوكر العربي»، وحرّكت فينا رغبة عارمة في الفرح بالجائزة الأرقى، وإن كان الوصول إلى القائمة القصيرة في حدّ ذاته، إنجازا يستحق كل التقدير والاحترام.
ونعترف أن واقع «الرواية» ببلادنا، لا يسرّ عموما، لأسباب كثيرة متراكمة، بينها ما هو موضوعي وطبيعي، وبينها ما هو من (المفاسد)، كمثل ما هي حال الأعمال التي تأتي بها (الدكاكين) المدعوة «دور نشر» دون وجه حق. غير أن النوابغ الجزائريين، عرفوا كيف يقدّمون البراهين عن مستويات مبهرة، تضاهي ما بلغت الأمم التي سبقت تاريخيا إلى «الرواية»..
ونعتقد أننا ينبغي أن نحتفي جميعا بمنجز صديقنا الزيواني، مثلما نحتفي بأعمال بقطاش والأعرج ووطار وبن هدوقة وجبار ومعمري وآخرين كثيرين لمعت أسماؤهم في عالم الأدب، بل ينبغي أن نبالغ في الاحتفاء كي يكون أدباؤنا نماذج راقية لمن يرغبون في اقتحام عالم السّرد بمتاعبه وجماله، بعيدا عما (عشّش) فيه من (رداءات) يستحي الواحد من الناس أن يسميها (أعمالا)..
ولسنا في حاجة إلى الحديث عن أهمية الأعمال السّردية في حياة الأمة، بل في أدقّ تفاصيل حياتها، فهي الصانع لـ«السلوك»، والحافظ لـ«القيم»، والموجّه لما ينفع، ولها دورها الفاعل حتى في مجالات المال والأعمال. غير أن كثيرين عندنا، مازالوا يصرّون على التعامل مع الأعمال السّردية على أنها مما يستغل في أوقات الفراغ، أو يستعمل لـ(قتل الوقت)، على أساس أن الأمم المتقدّمة طارت إلى الأقمار، وغاصت في أعماق البحار، ويفوتهم أن هذه الأمم إنما تباهي بأدبائها وفلاسفتها وصنّاع أمجادها الفكرية؛ ولهذا، نرى أن منجزات الزيواني وعيساوي تستحق الاعتراف، فـ«الأدب» استثمار أيضا..