يتجه المشرع الجزائري نحو تعزيز الإطار القانوني وآليات ضبط علاقات العمل في أوسع أبعادها، في مقاربة جديدة ترتكز على تهيئة مناخ ملائم للسلم الاجتماعي وتحييد نزاعات العمل عن دوامة الخلفيات السياسية والمصالح الضيقة، تكيفا مع متطلبات المرحلة وإصلاحات واسعة شهدتها البلاد.
يحمل مشروع الإطار التشريعي الجديد الخاص بالأحكام المتعلقة بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، وممارسة حق النقابي، قفزة نوعية في مجال تدابير وآليات ضبط علاقات العمل تماشى وأحكام دستور أول نوفمبر 2020.
في تسوية النزاعات الجماعية للعمل، يسعى المشرع الجزائري إلى ضبط آليات أكثر مرونة للحوار الاجتماعي بشكل توافقي ومتوازن وفعال، في إطار النظام القانوني المعمول به الدور المخول بالدولة والشركاء الاجتماعيين في تهيئة المناخ الملائم لإنعاش الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي.
مقاربة الحوار الاجتماعي
ترتكز علاقات العمل، في منظور الإطار التشريعي الجديد، على تجسيد آليات ناجعة لتحقيق السلم الاجتماعي، من خلال تبني الحوار المثمر وتشجيع التسوية السلمية للنزاعات الجماعية عبر تدعيم فعالية أنظمة المصالحة والوساطة والتحكيم.
ومن المحاور الهامة، ما يتعلق بتعزيز الثقة بين الشركاء الاجتماعيين وتحسين ظروف التعبئة لصالح ورشة الإصلاح الاجتماعي، إلى جانب الالتزام بخلق بيئة اجتماعية، تسبعد الإضراب إلا بعد استنفاد طرق التسوية الودية من خلال الحوار والتشاور والمفاوضة الجماعية، واحترام الإجراءات القانونية لممارسة حق الإضراب بشكل قانوني من أجل تجنب الإضرابات الفوضوية.
ولتحقيق ذلك، تضمّن الهيكل التشريعي مفاهيم جديدة متعلقة بمسائل النزاع الجماعي وآليات تسويته، وكذا مفهوم الإضراب والإضراب غير القانوني، في إطار الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها بغرض جعل إجراءات تسوية النزاعات أكثر فعالية.
من هذه الأحكام، ما تعلق بتحديد الأجل الأدنى لعقد اجتماعات دورية بين ممثلي العمال والمستخدمين من أجل تعزيز أحكام توافقية متوازنة وفعالة تسمح بحل النزاعات الجماعية من خلال التفاوض والحوار، وإنشاء آليات مبتكرة للوقاية من شأنها أن يكون لها تأثير فعال في خلق مناخ ملائم للاستثمار والسلم الاجتماعي، إضافة إلى «إلزام المنظمات النقابية للعمال والمستخدمين بإجراء مفاوضات مسبقة لإيجاد إجابات للمطالب المهنية والاجتماعية وفقاً للتشريع والتنظيم المعمول بهما وأحكام الاتفاقيات الجماعية للعمل.»
ومدد المشرع، أيضا، الآجال القانونية لمرحلة المصالحة من ثمانية أيام إلى خمسة عشر يوما بدلاً من أربعة إلى ثمانية أيام، لإتاحة الوقت اللازم لمفتشية العمل لدراسة وإيجاد أرضية للاتفاق حول مختلف نقاط النزاع الجماعي للعمل.
ويمكن لوزير القطاع المعني أن يطلب من الوزير المكلف بالعمل «عرض النزاع على مفتش العمل لإجراء مصالحة ثانية، عندما يتعدى النزاع الجماعي للعمل إطار المؤسسة ويؤثر على خدمة أساسية، إلى جانب إجبارية اللجوء إلى الوساطة في حالة فشل المصالحة.»
لجنة تحكيم وطنية
من منطلق أهمية المصالحة في فض النزاعات، في حالة حدوث خلاف بين طرفي النزاع على تعيين وسيط، تسمح التدابير القانونية الجديدة لوزير القطاع و للوالي ولرئيس المجلس الشعبي البلدي، التدخل لتعيين وسيط تلقائيًا من هذه القائمة، وصولا إلى تكييف إجراءات المصالحة على مستوى الهيئات والإدارات العمومية وإدراج الوساطة الاختيارية.
وبمقتضى الضرورة الاقتصادية والاجتماعية، في النزاعات الجماعية، يجري تمكين السلطة العمومية المعنية من اللجوء إلى التحكيم الإجباري بعرض النزاعات الجماعية للعمل التي تنشب في المصالح الأساسية التي قد يؤدي انقطاعها إلى تعريض حياة وسلامة وصحة المجتمع أو البعض للخطر.
وفي هذه الحالة، يرفع النزاع أمام لجنة تحكيم وطنية مختصة بالنظر في نزاعات العمل الجماعية التي تمتد إلى كامل التراب الوطني، أو تتعلق بعدة ولايات، أو أمام لجنة تحكيم ولائية مختصة في النزاعات التي تنشأ في حدود الولاية.
وتفاديا للدخول في دوامة الإضرابات العشوائية والمفاجئة التي لها عواقب ضارة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، يكرس مشروع القانون فكرة الحق في الإضراب كحق أساسي، يمارس في ظل احترام حقوق جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك حقوق مستخدمي المرافق العمومية الأساسية، قصد وضع حد للاستعمال غير القانوني لهذا الحق.
هذا الأخير، يتجلى في تعديلات تتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، منها تعريف الإضراب بأنه «توقف جماعي ومتفق عليه عن العمل، بهدف دعم المطالب المهنية المحضة المتعلقة بوضعية العلاقات الاجتماعية المهنية والظروف العامة للعمل.»
علاقات العمل.. مكاسب جديدة
وتعززت المنظومة التشريعية لعلاقات العمل في الجزائر، السنة الماضية بالقانون رقم 22-16 المتمم القانون رقم 90-11 لسنة 1990 والمتعلق بعلاقات العمل، وتعديل قانون الوظيفة العمومية الذي يسمح للعامل بالاستفادة مرة واحدة خلال مساره المهني من عطلة غير مدفوعة الأجر لإنشاء مؤسسة، كما يحق للعامل اللجوء إلى العمل بالتوقيت الجزئي لإنشاء مؤسسة.
استثناءً، يمكن تمديد فترة العطلة أو العمل بالتوقيت الجزئي لإنشاء مؤسسة، لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، بناء على تبرير من العامل المعني، ويترتب على إحالة العامل على عطلة لإنشاء مؤسسته تعليق راتبه وعدم استفادته من حقوقه المتعلقة بالأقدمية والترقية.
غير أن العامل يبقى يحتفظ بحقوقه المكتسبة المرتبطة بمنصب عمله عند تاريخ إحالته على العطلة من أجل إنشاء مؤسسته، ويستمر خلال مدة العطلة في الاستفادة من التغطية في مجال الضمان الاجتماعي.