تُعول السلطات العمومية على نشاط المناولة الصناعية المحلية كثيرا في مرافقة شركات تصنيع سيارات جزائرية وبلوغ نسب الإدماج المنصوص عليها في دفتر الشروط.
لكن بين الواقع والآفاق، السؤال المطروح: ما وضع النسيج الصناعي للمناولة المحلية؟ وهل بمقدورها التكيف مع متغيرات السوق ومتطلباته؟ وهل هناك قاعدة قابلة قابلة للتطور والتوسع؟
يُمثل النسيج الصناعي لمؤسسات المناولة في صناعة السيارات، حلقة هامة وقاعدة يرتكز عليها المصنعون، ويربط متابعون نجاح مقاربة التصنيع التي رسمتها الجزائر في ملف المركبات، بتطوير النسيج الصناعي وتوسيع الإنتاج لتغطية حاجة التصنيع المحلي (كمية وجودة).
معلوم أن دفتر شروط تصنيع السيارات الصادر نهاية السنة الماضية، حدد تحقيق نسبة إدماج 10 إلى 20٪ بعد 4 سنوات من النشاط، و30٪ بعد 5 سنوات من النشاط.
في موضوع المناولة، شكل الصالون الدولي لقطع غيار السيارات وخدمات بعد البيع ” اكيب أوتو”، الجاري من 13 إلى 16 مارس الجاري بقصر المعارض في الجزائر العاصمة، بمشاركة مؤسسات من 10 دول، فرصة مواتية للتقرب من مستثمرين جزائريين في نشاط المناولة الصناعية، وما يعرضونه من قطع غيار، مع رصد نشاطهم، وما مدى قدرتهم على مسايرة توجه السلطات العمومية.
ما يُميز هذا الصالون الخاص بالمهنيين والمحترفين، هو تزامنه مع عودة نشاط الاستيراد وتصنيع المركبات بالجزائر، وفق مقاربة اقتصادية جديدة توفر آفاقا مستقبلية للمتعاملين وتطرح خيارات عديدة للمستهلكين، وقانون جديد للاستثمار يضمن مزايا تشجع التصنيع والإدماج المحلي.
يسجل الحدث، الذي يجمع متعاملين كثر في مجال السيارات، مشاركة بارزة لرجال أعمال ومتعاملين من دول تركيا، الصين وروسيا، أبدوا رغبة بالاستثمار في تصنيع قطع الغيار بالجزائر، وهو ما أكده محافظ الصالون نبيل باي بومرزاق في تصريح لـ “الشعب أونلاين”.
قطع غيار محلية..
استهدفنا في جولتنا بالصالون مساحات عرض لمؤسسات جزائرية، قصد التعرف عن قرب على وضع المناولة الصناعية وآفاقها بالجزائر من منظور مهنيين وناشطين في هذا المجال..
يقول مدير تجاري بمؤسسة “أف تي بي” لتصنيع قطع غيار، ضياء الدين شيحة، في حديث مع “الشعب أونلاين”، إن من ايجابيات المناولة المحلية أنها قابلة للتطور ومواكبة جديد سوق المركبات بالجزائر، والتوجه نحو مقاربة تصنيع حقيقي بنسبة إدماج محلي على مراحل.
وتشارك هذه المؤسسة في صالون “اكيب أوتو”، لعرض قطع غيار ومنتجات محلية الصنع بنسبة إدماج محلي تفوق 60 بالمائة، مثل قارورات المياه، أنابيب، ومروحات، وتتطلع إلى توسيع انتاجها، مثلما يشير شيحة: ” لدينا مخطط مستقبلي للاستمرار في توسيع المحفظة الإنتاجية من أجل مسايرة متغيرات سوق المركبات، بمقدورنا توفير قطع غيار مصنعة محليا ذات جودة تعوض منتجات مستوردة وتنافسها في مقاييس الأداء والفعالية.”
وتخوض الشركة حاليا، حسب المتحدث، مفاوضات مع مصنعين محتملين لتزويدهم بقطع غيار.
وعن الترخيص باستيراد سيارات أقل من 3 سنوات وتأثيرها على نشاط المناولة، يوضح شيحة:” مركبات أقل من 3 سنوات متغير جديد يؤثر ايجابيا على نشاط المناولة من حيث تعزيز التنافسية والبحث عن تطوير تجهيزات وقطع غيار تخص هذه السيارات.”
تحديات التحكم في تصنيع السيارات بالجزائر وبلوغ نسب إدماج محلي وفق ما تضمنه دفتر الشروط، يرتبط بالأساس وفق المتحدث، بمدى تحكم نشاط المناولة في تصنيع قطع غيار حسب ما تفرضه المؤسسات العلامات المصنعة من شروط صارمة.
ويوضح أكثر بقوله: ” تصنيع قطع غيار موجه إلى مؤسسات مصنعة للسيارات يختلف عن تلك الموجهة إلى التسويق المباشر، في القطع الأصلية يوجد مستويين، مستوى أول لقطع غيار صناعية تنتج وفق شروط صارمة، ومستوى ثاني لقطاع غيار أصلية موجهة للتسويق أقل جودة من الأولى.”
في المقابل، يدعو شيحة السلطات العمومية إلى منح تسهيلات أكثر للمستثمرين الجديين في نشاط المناولة من أجل المساهمة في إنجاح مقاربة التصنيع المحلي: ” يوجد مستثمرون لديهم خطط مشاريع وأفكار وبحاجة إلى توسيع أنشطتهم قصد تغطية الطلب المحلي بمنتجات ذات جودة وأقل سعرا.”
في جناح عرص آخر في الصالون، توقفنا عند “فريكسيون تك” لصناعة بطاريات المركبات، وهي شركة جزائرية خاصة يديرها هواري سليم، رئيس جمعية مصنعي البطاريات.
هذا الأخير تحدث عن ما بلغه مصنعون جزائريون من تقدم في تصنيع محلي لقطاع غيار مثل البطاريات بنسبة ادماج تفوق 90 %.
.. متطلبات
عن سوق البطاريات، يقول هواري سليم، إن هناك 14 مصنعا محليا يغطون نحو 90 بالمائة من احتياجات السوق المحلي ” نتوقع أن نصل هذه السنة 100 بالمائة، لذلك بدأ التفكير في البحث عن أسواق خارجية لتصريف فائض المنتوج.”
ويرى المتحدث نسبة الإدماج المحلي في النسيج الصناعي لنشاط المناولة وما يفرضه دفتر شروط تصنيع السيارات، قابلة للتحقيق في إنتاج وحدات معينة مثل البطارية، التي ” تنتج بمواصفات تقنية دولية، مسألة الجودة لا نتحدث عليها في هذا المستوى لأنها مفروضة علينا ونسوق مادة مثل التي تسوق في أي دولة متطورة”.
مستثمر آخر في تصنيع البطاريات يُثير مسألة المادة الأولية “الرصاص” التي يتم تصديرها حسبه، في وقت يوجد مستثمرون بحاجة إليها للمحافظة على نسبة إدماج تفوق 90 بالمائة في تصنيع هذا المنتوج، وفق علي سماي، مدير شركة فابكوم لصناعة البطاريات.
ويتابع: ” الرصاص المسترجع مادة أولية لصناعة البطاريات، وعدم وفرته بالشكل اللازم يشكل عراقيل للمصنعين واستيراده يخفض نسبة الإدماج المحلي، نجدد دعوتنا للسلطات العمومية لحماية هذه المادة.”
ويضيف بقوله:” ننشط في السوق منذ 2015 وتمكنا من حجز مكانة في سوق البطاريات بدليل أننا نشتغل مع مؤسسات كثيرة منها عمومية.”
يتزامن تنظيم صالون “ايكيب أوتو” مع عودة نشاط استيراد المركبات واعتماد علامات تصنيع “فيات” و “رونو”، وهي فرصة – يقول سماي – لإبراز جودة المنتوج المحلي وقدرته على مرافقة المصنعين لتحقيق نسب المنصوص عليها في دفتر الشروط ” شركتنا من بين الفاعلين في نشاط المناولة وشكلنا فريقا تقنيا ومخابر متخصصة لضمان الجودة تحسبا لمرافقة التصنيع المحلي.”
الاستثمار الأجنبي
في الطبعة الـ 16 لصالون “اكيب أوتو” المنظم من قبل مؤسسة ” بروموصالون”، تحدثنا مع مستثمرين كثر أبدوا استعدادهم لرفع تحدي تطوير نشاط المناولة الصناعية بالجزائر، وتوسيع محفظة قطاع الغيار تجاوبا مع حاجة التصنيع، وهو ما يؤكده ساعد لعماري مسير مؤسسة “winner industriel normative” لصناعة جميع “فلاتر” هواء المحرك.
ويوضح قائلا: ” بلغنا طاقة إنتاجية معتبرة من حيث الكمية والجودة، ونسعى إلى رفع نسبة إدماج منتوجنا إلى 100 بالمائة محلي.”
في المقابل، يكشف محافظ صالون ” اكيب أوتو” ومدير مؤسسة “بروموصالون”، نبيل باي بومرزاق، أن الحدث يستقطب رجال أعمال وشركة أجنبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر وتطوير النسيج الصناعي الذي يرافق أولى مراحل تصنيع المركبات بالجزائر.
مثال عن ذلك، تشارك مؤسسات كثيرة من تركيا والصين، وفد لرجال أعمال من روسيا يمثلون 6 شركات: “هؤلاء يشاركون من أجل استكشاف السوق الجزائرية والتفاوض مع رجال أعمال جزائريين تحسبا لعقد شراكة محتملة في صناعة قطاع الغيار”، حسب باي بومرزاق.
وتشارك وزارة الصناعة ومؤسسات عمومية، في مقدمتها الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار بغرض تقريب المتعاملين الأجانب من مضمون القانون الجديد للاستثمار وما يوفره من مزايا لتشجيع الاستثمار.