قطعت الجزائر أشواطا مهمة في ميدان الرقمنة، وبلغت مستويات متقدمة في قطاعات عديدة من حيث تعميم الخدمات الرقمية ووضع قاعدة بيانات آمنة، لتقريب الإدارة من المواطن وضمان خدمات نوعية.
وتولي السلطات العليا في البلاد أهمية كبيرة لتسريع التحول الرقمي بتعميم استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال، في الإدارات والخدمات العمومية، إضافة إلى تحسين تسيير القطاع الاقتصادي، قصد تجنيب المواطن قيود الحصول على خدمات عمومية رقمية.
ولا يتحقق ذلك إلا بوجود بنية تحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية والربط بالشبكة الدولية ذات التدفق العالي وزيادة القدرات الاستيعابية لشبكة الانترنت الثابتة والمحمولة، تسمح بتوفير ظروف مناسبة لدفع البرنامج الوطني للرقمنة قدما.
غرار: الرقمنة لم تعد اختيارا بل أصبحت ضرورة عصرية
أكد الخبير في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، يونس غرار، أن الرقمنة لم تعد اختيارا، بل أصبحت ضرورة عصرية، مشيرا أن من يريد أن يساير التطور التكنولوجي في العالم والدول المتقدمة عليه بالرقمنة.
وقال غرار لـ”الشعب أونلاين” إن تصريحات الكثير من المسؤولين تؤكد أن الجزائر تسير بشكل جيد نحو الرقمنة، مشيرا إلى أن الوتيرة مختلفة من قطاع لآخر، فهناك قطاعات تطورت في هذا المجال، مستشهدا بوزارات العدل، الداخلية، التعليم العالي والتربية.
وأضاف المتحدث، في هذا السياق، “هناك قطاعات متخلفة جدا في الرقمنة، وهذا ما صرح به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مؤخرا، خاصة وزارة المالية، حيث طلب من المسؤولين الاسراع في رقمنة القطاع في مدة محددة الآجال”.
ولهذا المواطن يبقى حائرا ـ بحسب غرار ـ أمام تخلف وتأخر قطاعات في ولوج الرقمنة، متسائلا كيف لوزارة الداخلية مثلا أن تسمح للمواطن باستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا من البيت وممضية إلكترونيا دون الذهاب إلى البلدية، ومن جانب آخر لما يريد استخراج وثيقة “سي سي 12” لمسح الأراضي لابد عليه التنقل للمديريات وتقديم ملف، والانتظار ثلاثة أسابيع أو شهر حتى تصله وثيقة بإمكان المواطن الحصول عليها إلكترونيا؟.
وواصل متسائلا: لماذا هذه الوزارة تسمح للمواطن بأخذ نسخة إلكترونية وفي نفس الوقت تُتعب آخرين من أجل الحصول على نفس الوثيقة بنفس طرق التسيير التي كانت قبل 30 سنة؟.
لهذا يدعو غرار إلى ضرورة أن تسير القطاعات بنفس الوتيرة في ميدان الرقمنة، وإلا سيقع خلل ويحدث تباين “يجعلنا نطرح تساؤلات حول نوايا الأفراد المشرفين على رقمنة هذه القطاعات، والأمر الذي يجب التأكيد عليه هو أن رقمنة القطاعات ترجع للأشخاص المشرفين على الرقمنة ومديريات الإعلام الآلي، فهم المهندسون المعنيون والمقتنعون بهذا العمل ولديهم نية صادقة في رقمنة أنظمتهم ويقومون بمجهودات”، مؤكدا أن هناك عملا كبيرا ينتظرهم.
وذكر غرار أنه في بعض القطاعات “يوجد مسؤولون أثبتوا فشلهم في رقمنة مصالحهم، وليست لديهم نية صادقة في ذلك لهذا تعطلت الرقمنة سنوات، وعشعشت أساليب تسيير متخلفة.. هي فضاء يعيش فيه الفاسدون وأصحاب الرشاوى والملفات الفاسدة التي شهدتها المحاكم مؤخرا”.
في المقابل، يرى غرار أن الرقمنة “تتيح للأفراد الشفافية وتجعلهم يعيشون تحت الأضواء الكاشفة، وتسمح للمواطن بالحصول على خدمات بشكل سريع، دون أن يكون ضحية موظفين تعودوا البيروقراطية، وأصبحوا عثرة أمام الرقمنة، يختلقون مشاكل لايقاف عجلة التطور في هذا الشأن”.
واعتبر غرار أن الإرادة هي الأساس، “فعندما تكون هناك نية حقيقية لتسريع الرقمنة، فكل القطاعات تسير في هذا الاتجاه الذي يأمله الجميع”.
وعن الربط بشبكة الانترنت، أكد غرار أن استفادة المواطنين والمؤسسات والإدارات من الخدمات الإلكترونية مرتبط بتوفر الأنترنت، مبرزا أهمية إيصال الأنترنت إلى جميع السكان حتى لا يضطر المواطن مثلا إلى التنقل للبلدية.
ومن الأحسن ـ بحسبه ـ الربط بالألياف البصرية لأنها آخر التكنولوجيات، منوها بما تقوم به “اتصالات الجزائر” من دور كبير في الفترة الأخيرة، حيث تجاوز عدد الزبائن 500 ألف، تم ربطهم بالألياف البصرية، مضيفا أن ذلك غير كاف وينتظر “اتصالات الجزائر” عمل كبير للوصول إلى حوالي 7 أو 8 ملايين مشترك.
وأبرز غرار أن هناك تحدي تأمين معلومات الأفراد من السرقة والاختراقات، مشددا على ضرورة وجود مركز إيواء لتلك المعطيات داخل الوطن لحماية ملفات المواطنين الإلكترونية، فوضعها خارج الجزائر يحمل الكثير من المخاطر ويمس بالسيادة الرقمية للجزائر.
وأشار الخبير إلى أن عدم تأمين المعطيات بالشكل المطلوب قد يكون حجر عثرة أمام تطور الرقمنة.
لهذا _ يقول المتحدث _ لابد من العمل في هذا الجانب بجدية، والأخذ بعين الاعتبار توفير كل الوسائل لتأمين الأجهزة والمعطيات، والتي تبنى على ثلاثة محاور، هي: المحور الأول تقني بحث يتمثل في توفير كل الأجهزة والبرمجيات لتأمين المعلومات والمعطيات والأجهزة والأنظمة.
المحور الثاني هو الحملات التحسيسية وتنشيط الثقافة الأمنية عند المواطن والموظف، مثل كيفية اختيار كلمة السر والأجهزة ومعرفة إن كان هذا الموقع مخترق أم لا، وعدم النقر على الروابط التي ترسل وتحمل برامج جوسسة وغيرها.
والمحور الثالث قانوني لمعاقبة كل من يقوم بالهجمات الإلكترونية وسرقة المعلومات واختراق الأجهزة، حتى لا يبقى “المجرمون” يعملون ما يشاؤون، ويبقى المواطنون مكتوفو الأيدي، لهذا يطرح الجانب القانوني نفسه في هذا السياق، مسايرة للتطور الحاصل، وتوفير مناخ آمن وجيد للوصول لرقمنة حقيقية في جميع القطاعات.
درياس: الجزائر بلغت مستوى مقبولا في مجال التحول الرقمي
من جهته، يؤكد الخبير في تكنولوجيا المعلوماتية، أمين درياس، أن الرقمنة تعرف تطورا ملحوظا في قطاعات عديدة بالجزائر، خاصة بعد الأوامر التي وجهها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، من أجل الوصول إلى تجسيد التحول الرقمي في أسرع وقت.
وذكر درياس، في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، على سبيل المثال وصلت المديرية العامة للأمن الوطني إلى مستوى متقدم في مجال الرقمنة، حيث أنشأت تطبيقات وموقع إلكتروني يسمح للمواطنين بالتواصل وتقديم الشكاوى، وغيرها من الخدمات.
وقال درياس إن الرئيس تبون أمر بتسريع الرقمنة في قطاعات حساسة عندها ارتباط بالأمن القومي وفي آجال لا تتعدى 6 أشهر كالجمارك، الضرائب وأملاك الدولة، وهي تسير ـ بحسبه ـ في الطريق الصحيح.
واعترف درياس أن هناك قطاعات مازالت متأخرة جدا في الرقمنة، ولم تواكب التطورات الحاصلة في هذا الشأن، رغم الضرورة الملحة لذلك، بسبب غياب إرادة حقيقية لمسؤولي تلك القطاعات.
وفيما يخص مستوى تطور الأنترنت، التي تعتبر الأساس في بناء قاعدة حقيقية للتحول الرقمي، أكد درياس أن مستوى تدفق الأنترنت في الجزائر لابأس به، ويلبي حاجيات المواطنين، غير أنه بالنسبة للمهنيين يبقى العائق الوحيد هو الثمن الذي يعتبره مرتفعا جدا.
وفي معرض حديثه عن أمن المواقع والتطبيقات والمنصات، اعتبر درياس أن تحدي حمايتها من القرصنة والاختراقات يستدعي الاستعانة بخبراء في هذا المجال.
وأشار إلى أن المواقع الإلكترونية في الجزائر، خاصة العمومية، مؤمنة بشكل جيد ضد الهجمات، كاشفا عن وجود محاولات اختراق وقرصنة يومية بأرقام خيالية، ولو لم تكن هذه المواقع مؤمنة بالشكل المطلوب لوقعت الكارثة.
وأكد درياس أن معطيات المواطنين والأشخاص محمية ولا يوجد خلل في هذا الشأن.
ودعا الخبير إلى إيجاد حلول وتقديم تسهيلات من أجل تأسيس مواقع ضمن نطاق التوطين المحلي “دي زاد”، مشيرا إلى وجود إجراءات معقدة وصعبة للحصول على ذلك، عكس النطاقات الأخرى التي يتم الحصول عليها بمجرد نقرة.