حظيت رواية «الكناس» التي صدرت حديثا للطبيب سليم عبادو عن دار خيال للنشر والترجمة بالجزائر باهتمام كبير في الصحافة العربية.
نالت الرواية التي تعد ثاني عمل أدبي لمؤلفها قراءات في العديد من الزوايا، منها لغتها السردية وتفاصيلها المرتبطة بتأثيرات القرارات الاقتصادية المتقلبة والمتضاربة على تجارة وحياة رجل بسيط من وادي سوف، امتهن التجارة أبا عن جد، وكيف كابد للتأقلم، ولكي تدوم تجارته إلى أن أفلس، ولم يعد قادرا على تحمل العبء والضغط النفسي الذي مارسه عليه مجتمعه المحلي، فاختار الهرب عن المواجهة وانتقل للعيش بالجزائر العاصمة أين لا يعرفه أحد.
عمل هذا الرجل حمّالا بسوق الخضر ببوفاريك حتّى أشفقت عليه موظّفة بالبلدية، فتدخّلت عند رئيسها ليُوظّفه كعامل نظافة (كنّاس) بشوارع العاصمة، بعد أن كان تاجرًا مرموقًا في مدينته التي ينحدر منها، وتتابع الأحداث مع كلّ ما تحمله الصورة الإنسانية من مأساة ومعاناة نفسيّة له ولعائلته، بسبب هذا التطوّر الدراماتيكي المفاجئ والمؤسف الذي آلت إليه حياتهم.
تعرج الرواية أيضًا على تاريخ وادي سوف، كيف تمّ إعمار المنطقة بالسكّان، وكيف كافح هؤلاء السكّان للعيش في منطقة حارّة وجافة جدّا تفتقر إلى الماء والكلأ، وكيف حوّلوا العرق الشّرقي من أرض قفار إلى جنّات من النّخيل، وتحكي أيضًا عن كيفية تشكّل الكثبان الرّملية وتحرّك حبيبات الرّمل فيها، واتّجاهات الرياح، وكيفية إنشاء الغيطان وصيانتها، ورفع الرّمل منها، وتحكي أيضًا عن الأمثال الشّعبية فيها والحكم.
ويعتبر الأستاذ علي ملّاحي في كلمة له على غلاف الراوية، أنّ «الكنّاس ليست مجرد حكاية اعتيادية، وما يصنعه الرّوائي سليم عبادو من مفارقات ومشاهد ومن تعقيدات زمانية ومكانية، يلجأ إلى تأليفها وفق أدواته في نسيج مفتون بالمغامرة والتيه في لغة أنثروبولوجية جدّ دامغة، تذكرّنا بأنّنا أمام طبيب أديب، وعلى إيقاع شخصيات متنوّعة في أهليتها ومرجعيتها، يفتح لنا فضاؤه السردي في رواية الكنّاس مستنطقا، مؤمنا، مقتنعا بمغامرته التي تقولها الرواية، من خلال شخصيات تجتمع فيها السذاجة والبلاهة وقوّة البصر والبصيرة، والمناورة والعجائبية، ومثل ذلك ما نجده في: كريمو والحاجة وردة ومروان وفلة وقديرو وعزوز وغير ذلك ممّن كان السارد يتلذّذ بإدراجهم، في محاولة منه ليبرّر وجودهم في السياق الرّوائي، بما فيه من حكي خارق للعادة، إلى درجة أنّ الحقائق السردية تتحول إلى تحرّيات معقدّة تبدأ من بلدة قمار بوادي سوف، بلدة السارد لتمتدّ إلى العاصمة / باب الزوّار، في تتبّع يتميّز بالسلاسة والمرونة والهدوء السردي، الذي يصنعه لنا سليم عبادو في كثير من الأحيان، من خلال تدخّله في النسق السردي مختبئا خلف سارده، الذي يتصاعد رويدا رويدا في تعقيداته ومفارقاته».
بينما قال الأستاذ بوداود عميّر عن رواية «الكنّاس»، بأنّ الروائي سليم عبادو لم يكتف بسرد تفاصيل حياة النّاس البُسطاء، وسط بيئة قاسية وعالم لا يرحم، حيث سيكتشف القارئ نمط معيشتهم في مناطق من الصّحراء الجزائرية الشاسعة، سيقتفي أثرهم وهم يقاومون في صبر وجَلد تصاريف الدّهر، وكيف يتدبّرون حياتهم الصّعبة، سيكتشف طيبتهم وأصالتهم ونُبلهم وهم يُواجهون، في سعيهم نحو توفير لقمة العيش لعائلاتهم، إكراهات أثقلت كاهِلهم.
وأضاف «سيعرف القارئ من خلالهم عادات وتقاليد وسلوك وممارسات، أسهب في وصفها الرّوائي سليم عبادو، بحكم اطّلاعه ومعرفته الواسعة بالمكان والنّاس والأشياء المحيطة به، وقد اجتمع في الإلمام بعوالمه جملة من العناصر الفنّية والإنسانية: الرؤية السّردية، بوصفه عالما بجميع ما يخصّ شخصيات أعماله، سيَبرز ذلك جليّا من خلال مجموعتين قصصِيتيْن صدرتا له، ثم يأتي نشاطه الاجتماعي الذي يعرفه عنه سكان المنطقة، وممارسته الطبّ كمِهنة إنسانية قبل أن تكون وظيفة، فليس غريبا أن يُحيط الصّدق الفنّي ملامح كتاباته، وأن يحقّق مبتغاه، بعيدًا عن التهويم والاشتغال على اللّغة، المُفسِد أحيانا للمعنى».