الخطاب المتداول بين الفاعلين في المشهد الثقافي، بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، جاء يائسا، محبَطا، محمّلا بـ«تنهيدات” عميقة (تشرح) ما آلت إليه حال “القراءة” عموما، وما انتهى إليه قطاع صناعة الكتب، بعد أن تحوّلت المكتبات إلى (ملبنات) أو محلات (أكل سريع)، وانهارت تجارة الكتب حتى صار الملتزم بها كالقابض على الجمر..
وقد يذهب بعضهم إلى أن “الكتاب” (الورقي) ليس سوى ضحية للتغيّرات التي انسحبت على الحياة اليومية مع الانتشار الواسع للتكنولوجيات الحديثة، فصار الواحد من الناس (يفتح ثغره) ساعات لمتابعة فيديوهات (التيك توك)، ولا ينتبه إلى مقتضيات حاجته المعرفية، غير أنّنا نرى أن المشكلة الرئيسية ليست في الواقع الرقمي المعيش، تماما مثلما لم تكن في الراديو ولا في التلفزيون من قبل، حين قيل إنهما معا سيقضيان على صناعة الكتاب، فخالف الواقع جميع التوقعات، وقدمت وسائل الإعلام إضافات مشهودة لسوق الكتاب، بل أسهمت في النشر الأفقي للمعرفة (بتعبير الشيخ كانط) بشكل غير مسبوق، وهو ما حدث أيضا مع بدايات انتشار أنترنيت في التسعينيات، فقد عرفت سوق الكتب والجرائد السيارة آنذاك، انتشارا مذهلا، ومازالت منصات التواصل الاجتماعي تسهم إلى يوم الناس هذا في الترويج للقراءة، وتحقق للكتاب مبيعات بملايين النسخ..
مسألة “القراءة” إذن، لا تطرح على أساس أنها “منافسة” بين (الورقي) و(الرقمي)، والمأزق الذي نعيش ليس فيما انسحب على الحياة اليومية من تغييرات، وإنّما هو في أسلوب التأصيل لفعل “القراءة” سواء كانت على “الورق” أو على “الشاشة”، وعلى هذا، ينبغي أن نعود إلى أنفسنا، ونراجع أخطاءنا، حتى لا نجني على أبنائنا، ونترك الآفاق مفتوحة أمامهم.. ولو بأضعف الإيمان.