مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية، من المؤسسات العلمية والثقافية التابعة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي الناشطة على أكثر من صعيد بمدينة وهران.
المركز منتج أبحاث علمية في شتى المجالات ومنظم للعديد من الملتقيات والندوات والملتقيات، ومواكب لكل الأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية وطنيا ودوليا، إلى جانب الإصدارات من كتب، أبحاث ومجلات دورية محكمّة، تجاوز صداها حدود الجزائر..
مسار ثلاثة عقود من الزمن والعطاء البحثي والفكري والعلمي، يحدّثنا عنه الدكتور عمار مانع مدير “كراسك” في هذا الحوار..
ملتقى دولي في الذكرى الثلاثين لتأسيس مركز البحث.. مجلة “انسانيات”.. مرتبة أولى على موقع “النشر المفتوح”..
الشعب: احتفى مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية هذه السنة بالذكرى 30 لتأسيسه، ما هي حصيلة أهم الأنشطة الفكرية والعلمية التي سجلت خلال ثلاثة عقود؟
عمار مانع: يمتلك “كراسك” رصيدا معرفيا ثمينا تزخر به مكتبته المتواجدة فيه، والرقمية المتاحة عبر الموقع الرسمي على أنترنيت، ومختلف المكتبات الجامعية والمؤسسات البحثية الأخرى. وهي ثمرة البحوث العلمية التي سعى إلى إنجازها، حيث نظم لقاءات علمية تنوعت بين الندوات الداخلية للأقسام والوحدات البحثية، والأيام الدراسية والملتقيات الوطنية والدولية بالشراكة مع المجمع العلمي الذي تربطه معه اتفاقيات تعاون متعددة.. قبل التطرق إلى أهم النشاطات العلمية للمركز، لا بأس من العودة إلى بدايته الأولى عندما كان وحدة بحثية URASC))، وأنجز مجموعة من البحوث العلمية قدّمها في مناسبات علمية من سنة 1986 إلى غاية تحوله إلى مركز وطني للبحث سنة 1992، كما أنّ المركز استجاب إلى مجموعة من الإشكالات التاريخية والأدبية والاجتماعية والقانونية والإعلامية والثقافية، وفق المنظور الأنثروبولوجي، وقد سعى بعدها إلى تنظيم عدة نشاطات علمية بمقره، من أجل مناقشة البحوث التي أسندت إليه، إذ نظم في هذا الصدد، على سبيل المثال لا الحصر، ملتقى وطنيا حول: “1962 عالم”، بمناسبة مرور 50 سنة عن استقلال الجزائر سنة 2012. كما نظم يوم 19 مارس من سنة 2022 ملتقى وطنيا حول: “التعليم العالي بعد ستين سنة”؛ وملتقى دولي حول: “المدينة في زمن كوفيد 19: أية تحليلات وأية مقاربات للنسيج الحضري غدا؟”، من تنظيم مركزنا وجامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا، أيام 10- 11- 12 ماي 2022، وكذلك مؤتمرا دوليا حول: “التراث الملبسي: هوية وآفاق”، يومي 25 و26 جوان 2022، برعاية وزارة الثقافة والفنون وبإشراك جامعة تلمسان، المركز التفسيري ذي الطابع التحفي للباس التقليدي الجزائري، وبالتعاون مع مركز البحث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، إلى جانب ملتقى وطني بالتعاون مع المحافظة السامية للغة الأمازيغية والحركة الجمعوية لولاية وهران حول: “الجزائر: مجتمع، أمة، تسمية”، يومي 2 و3 جويلية 2022. ونظم في 10 جانفي من السنة الجارية يوما دراسيا حول: “يناير: طقوس وممارسات”، وقبله نُظّم يوم دراسيّ في 20 أبريل من سنة 2016، بالشراكة مع المحافظة السامية للغة الأمازيغية حول: “تصنيف يناير عيدا وطنيا”.. دون أن ننسى تنظيمه بالشراكة مع جامعة وهران 2، ومركز البحوث المغاربية “الصالون الأول للعلوم الاجتماعية” أيام 19-21 نوفمبر 2022 والذي عرف نجاحا منقطع النظير، وغيرها من الملتقيات والنشاطات العلمية الأخرى الكثيرة التي يمكن الاطّلاع عليها عبر الموقع الرسمي للمركز على أنترنت.. حاليا يٌحَضِّر المركز للملتقى الدولي الثاني بمناسبة مرور 30 سنة من تأسيسه، مع تخصيص جلسة خاصّة لـ«مجلّة إنسانيات” التي يصدرها كراسك، تحت عنوان: “العلوم الاجتماعية في المنطقة المغاربية وتحديات تجديد المعارف”، أيام: 5- 6- و7 نوفمبر من السنة الجارية.
على ذكر “انسانيات”.. تألقت المجلة مؤخرا على الصعيد الدولي، بتصدرها المركز الأول بين العديد من الدوريات العالمية.. كيف تحقق هذا الإنجاز؟
فعلا.. تصدرت مجلة “إنسانيات” ترتيب المجلات العلمية المتاحة للاطلاع والتحميل الحر على موقع النشر المفتوح (Openedition) خلال سنة 2022، وهو يجمع ـ609 مجلات علمية.. أنشئت مجلة إنسانيات سنة 1997، وهي تصدر فصليا وتنشر المقالات الأكاديمية حول الانثروبولوجيا والعلوم الإنسانية والاجتماعية.. تشرف عليها لجنتان: لجنة علمية ولجنة قراءة وطنية ودولية. حاليا تتأهب لإصدار العدد المائة، والذي سيتزامن مع ذكرى تأسيس “كراسك”.. هي ثلاثون عاما من العطاء العلمي للمركز.
حقيقة.. “كراسك” أصبح مرجعا للأبحاث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية، ما هي الأساليب المعتمدة في وضع الدراسات ومن يستفيد منها؟
سيرورة اقتراح مشروع بحث على مستوى “كراسك”، تتم وفق مراحل يشترك فيها عدة أطراف: الباحثون، والأقسام البحثية المنسّقة للمشاريع مع المجلس العلمي للمركز، وإذ يقترح فريق بحث من المشاركين مشروعا جديداً بتحديد نوعه وتقديم أسماء الباحثين المشاركين العمل مع عنوان البحث وإشكاليّته وفترته الزمنية والفاعلين المشاركين فيه ورزنامة العمل البحثي، مرفقا بسيرة ذاتية عن كل باحث، وذلك يتم وفق مواعيد يتم الإعلان عنها في فترات محددة من السنة. حيث يدوم مشروع بحث مؤسسة – على سبيل المثال – ثلاث سنوات مع إمكانيّة التّمديد، بينما تختلف المدّة بالنسبة للمشاريع الأخرى مثل مشروع بحث “ذو الصدى الاقتصادي والاجتماعي”، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة للمشاريع الوطنية للبحث ومشاريع الخبرة.. تتمحور الموضوعات المقترحة حول إشكاليات تحدد مسبقا، غالبا ما تكون إمّا استجابة لمحاور البحث على مستوى المركز، أو بطلب من الوزارة أو الجهات البحثية الأخرى، من أجل الاستفادة بنتائجه العلمية الدقيقة.
تتعدد أنشطة “كراسك” وتتنوع بين مشاريع البحث في مختلف المجالات وتنظيم الملتقيات والمحاضرات، ومواكبة الراهن من الأحداث وطنيا ودوليا.. لمن توجه كل هذه الجهود وهل تأخذ مخرجاتها بعين الاعتبار؟
يشرف مركز “كراسك” على مشاريع بحث مختلفة منها مشاريع مؤسسة، حيث قدر عددها حاليا حوالي 33 مشروعا، يٌصادق عليها المجلس العلمي التابع للمركز، و23 مشروعا ذو الصدى الاجتماعي والثقافي تشرف عليها لجان علمية على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومديرية البحث العلمي، و5 تحقيقات وطنية حول “كوفيد 19”، إلى جانب مشاريع وطنية للبحث تشرف عليها “الوكالة الموضوعاتية للبحث” ومشاريع تعاون يشترك فيها مركزنا مع مؤسسات جامعية وبحثية من داخل الجزائر وخارجها.. أما بخصوص مشاريع الخبرة، فقد كُلف “كراسك” بإنجاز عدة مشاريع، وأنجز سابقا حوالي 31 مشروع خبرة وطنية ودولية، حيث تمحورت الوطنية منها حول “تسيير الدورات” بطلب من وزارة الشباب سنة 2004، إنجاز مشروع خبرة حول “المرأة والاندماج السوسيو مهني” بطلب من الوزارة المنتدبة للأسرة، ومشروع آخر سنة 2005 مع وزارة الأسرة حول الموضوع نفسه.. مشروع بحث خبرة آخر أنجزه “كراسك” بطلب من وزارة الخارجية في الفترة 2005- 2009 سعى من خلاله إلى إنجاز “تحقيق حول التنمية الاقتصادية”. كما أشرف سابقا على مشاريع خبرة بالشراكة مع اليونسيف، ومركز التطوير الدولي بكندا، واليونسكو، واللجنة الأوروبية سنوات 2001، 2004.. وغيرها.. ويشتغل المركز حاليا على مشروع وطني خبرة مع المركز الوطني لحماية وترقية الطفولة، من أجل إنجاز خطة عمل وطنية حول تحسين وضع الطفولة بالجزائر للفترة الممتدة ما بين 2022- 2024، ويشرف حاليا على مشروعين حول “التلقيح في الجزائر” مع وزارة الصحة، وبالشراكة مع اليونيسيف.
بخصوص المشاريع الوطنية للبحث PNR فقد دأب المركز على الإشراف عليها من خلال ثلاث فترات بدءا من الفترة (1998- 2002)، حيث تم تكليفه من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالإشراف على المشروع الوطني للبحث حول “السكان والمجتمع” الذي شمل 16 مشروع بحث، معظمها نشرت. واستوطن المركز في الفترة 2010- 2012 ما يقارب 233 مشروع بحث وأشرف على 51 مشروعا حول التاريخ والتربية والتكوين، الثقافة والحضارة والسكان والمجتمع. ويشرف حاليا على برنامج وطني للبحث حول الصحة في الفترة الممتدة ما بين 2022 لغاية 2024.. ويقوم حوالي 78 باحثا دائما و54 باحثا مشاركا موزعين على أربعة أقسام بحثية وأربع وحدات بحثية في وهران، والجزائر وقسنطينة، بإنجاز هذه البحوث وفق المقاربات الاجتماعية والأنثروبولوجية والتاريخية وغيرها، عبر تحقيقات ميدانية والمراجعة العلمية والأدبية لمختلف النصوص والوثائق المتعلقة بالظاهرة محل الإشكال مع التحليل والتفسير، يتم تقديمها دوريا ضمن ندوات داخلية في المركز، وذلك تحضيرا للملتقيات الوطنية والدولية والأيام الدراسية التي تُثَمَّن مع نهاية هذه المشاريع من خلال المصادقة عليها من طرف المجلس العلمي للمركز من أجل نشرها تحقيقا للنفع العام، فيما تٌثمن البحوث ذات الصدى الاجتماعي والثقافي مع بقية مشاريع الخبرة بناء على تقرير نهائي مفصل يحمل في طياته حلولا للظواهر المدروسة.
موضوعات البحث بالمركز، تتمحور حول المواضيع التاريخية (أحداث، فاعلين وأماكن) بالتركيز على البعد السوسيو- انثروبولوجي، وحول المدن والأقاليم بدراسة المدينة والريف من حيث الخصائص ومختلف إشكالاتها الراهنة، والتربية والتكوين بمعالجة الظواهر المتعلقة بالمدرسة والجامعة والأسرة والشغل، إلى جانب الموضوعات الثقافية والأدبية ببعدها الانثروبولوجي، الأدب والثقافة والفنون والتّراث بنوعيه المادّي واللاّمادّي، الترجمة والمصطلحية، النظم التسموية… وغيرها.
نسجل اهتماما كبيرا بالاقتصاد والتنمية والانفتاح على العديد من المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، وأيضا الهيئات الحكومية والمجتمع المدني، ما هي الاضافة التي يقدمها المركز في مشروع تطوير الاقتصاد الوطني؟
استجاب المركز لدعوة الوزارة الوصية من أجل السعي في ربط البحث العلمي بالتطور الاقتصادي، لذلك سعى نحو تطبيق التعليمة من خلال اقتراح مشروع البحث العلمي والتطور المحلي لولاية وهران، منذ سنة 2018 من خلال إشراك عدة فاعلين من المجمع العلمي والاقتصادي والفاعلين السياسيين المحليين والمجتمع المدني في مدينة وهران؛ تلاه مجموعة من الأنشطة العلمية من خلال تنظيم منتدى الاقتصاد بشكل دوري سنة 2022.
كيف هي العلاقة بين المركز والجامعة وبين المركز والمجتمع المدني، خاصة في المجال الثقافي؟
يرتبط المركز بالجامعات الجزائرية والدولية، إلى جانب مراكز البحوث الأخرى، باتفاقيات تعاون علمي في مختلف المجالات. أمّا على المستوى المحلّي فيوجد اتّفاق تعاون مع الولاية والإذاعة والتّلفزيون المحليّين. بخصوص التعاون مع الجامعة غالبا من خلال تنظيم وتنشيط الباحثين والأساتذة لمختلف اللقاءات العلمية (ملتقيات، محاضرات وتكوين… وغيرها). حيث يستهدف التعاون العلمي تكثيف الجهود وتركيزها من أجل الوصول إلى حلول ناجعة للمجتمع ولمختلف المؤسسات المشاركة.. والأمر نفسه ينطبق على اتفاقيات تعاون مع جامعات ومراكز بحوث دولية (تونس، تركيا، قطر، مجلس تنمية بحوث العلوم الاجتماعية في أفريقي (CODESRIA)… وغيرها من شأنها تحقيق تعاون علمي يستهدف التكوين والخبرة، إلى جانب الإصدارات العلمية المشتركة يمكن الاطلاع عليها في الجزائر وخارجها بعد تثمينها.
حدّثنا عن إصدارات المركز ومشاركته في مختلف المعارض؟
سعى “كراسك” منذ إنشائه إلى إصدار جل الأعمال العلمية التي أنجزها أو شارك في إنجازها وتتمثّل أهمّ إصداراته في منشورات منها مجلة “إنسانيات”، “دفاتر إنسانيات”، فالمجلة تُعنى بنشر مقالات علمية قيّمة، ولها لجنة علميّة عالميّة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية وفق التقسيم الموضوعاتي (العمل 1997، المدرسة 1998، وهران مدينة من الجزائر 2004 …)، ثم تخصص في كل مرة عددا متنوعا يضم مقالات مختلفة حول الدراسات الإنسانية والاجتماعية. هذه المجلة تتأهّب إلى إصدار العدد 100 من منشوراتها. حاليا، نحن نعمل على نشر 10 منشورات، 5 أعداد منها حول: الجائحة، الذّكرى الستّين للاستقلال، ومواضيع أخرى… هذا، الى جانب صدور 5 دفاتر إنسانيات في غضون السنة الجارية. ينشر المركز الكتب التي تعدُّ، إما حوصلة مشاريع بحوث تم تثمينها من طرف المجلس العلمي للمركز، أو مقترح كتب يتم المصادقة عليه من طرف أقسام البحث المختلفة والمجلس العلمي للمركز. وكان “كراسك” قد نشر 67 كتابا متنوعا منها 5 كتب أصدرها في سنة 2022 حول الجائحة، الهجرة، الذكاء الاصطناعي…، وسينشر عناوين أخرى خلال السنة الجارية.
مساهمة منه في توسيع وتعميم المعرفة العلميّة وتحقيق مرئيّة شاملة، شارك المركز في عدة معارض وطنية ودولية داخل الجزائر وخارجها. وهي المعارض التي غالبا ما تنظمها الجامعات أو المؤسسات العلمية والثقافية، بالشراكة مع الناشرين والجامعات ومختلف المؤسسات الثقافية من بينها 8 معارض وطنية سنة 2022، عرض المنتوجات العلمية والمنشورات في الصالونات الدولية التي تُنظم في الجزائر العاصمة وفي مختلف المعارض الدولية بإرفاق منتوجه مع المؤسسة الوطنية للكتاب (ENAG)، آخرها كان معرض مسقط الدولي للكتاب في عمان من 22 فيفري إلى 4 مارس 2023.
ما هي المشاريع المسطرة للسنوات القادمة؟
سيواصل المركز إنجاز المشاريع البحثية المسندة إليه سابقا، وذلك وفق الفترات الزمنية المحددة، كما يجب الإشارة إلى أنّ المجلس العلمي للمركز كان قد صادق على مجموعة من المشاريع البحثية الجديدة التي تُعرف بمشاريع المؤسّسة، والتي يشرف عليها باحثون من المركز وأساتذة متعاونون.. تتمحور معظم هذه المشاريع حول إنجاز قواميس تاريخية عن الفترة الاستعمارية من حيث الأحداث والفاعلية والأماكن، الشغل، المدرسة، والكتاب المدرسي، إلى جانب الآداب والشعر والتراث المادي واللامادي. تقتضي مختلف الإشكاليات الاجتماعية المطروحة للبحث، دراسة علمية وفق مقاربات إنسانية واجتماعية متعددة.