قال مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالأرشيف الوطني والذاكرة، إنّ المهمة التي كلّف بها مع المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، «ستحدّد في إطار توجيهات رئيسا البلدين، لأنّنا معيّنين من قبلهما»، لافتا إلى أنّهما «حدّدا الإطار العام، ولكن برنامج العمل ومحتواه، يتم بالتحاور بين الطرفين». وأقرّ في حوار خصّ به «الشعب»، بأنّ ملف الأرشيف الذي يراوح مكانه منذ زمن، «موضوع صعب، لأنّنا لم نتّفق بعد بالرغم من مرور 60 سنة من المحادثات، على الأرشيف الذي يمكن للدولة الفرنسية أن تعيده بصفة تلقائية».
الشعب: ما هي مقاربتكم في تناول ملف الذّاكرة؟
عبد المجيد شيخي: ما نراه نحن مفيد بالنسبة للذاكرة، أن في سياسة برنامج رئيس الجمهورية برنامج متكامل يرمي إلى إنشاء جمهورية جديدة.
في اعتقادي أنّ الجمهورية الجديدة يجب أن تقوم على مبدأين أصالة الشعوب، وتطلعها نحو المستقبل، باستعمال كل ما يتيحه العلم والعالم المعاصر.
المسألة فيها ازدواجية ولكن تكامل، ففيما يتعلّق بالذاكرة الوطنية هو الجزء الأول من بناء الدولة الجزائرية، الدولة الجديدة تتعلق بالأصالة وهي إعادة العمل بكل العناصر التي تحافظ على الأصالة.
وذكر السيد الرئيس البعض منها، ويتعلق بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وهي الثّوابت الوطنية بكل معانيها وأبعادها، التاريخ الوطني، العادات والتقاليد والتراث الفكري.
كل هذا يجب أن يوضع في متناول المواطن، لأنّنا في النهاية نريد إعادة بناء المواطن الصالح، ذاك المواطن الذي عندما يجد الجد نجده في الصفوف الأولى للدفاع عن الوطن في كل المجالات.
وبطبيعة الحال لا يمكن بناء المواطن الصالح بدون إعادة النظر في التربية والتعليم والتكوين، وإعادة الاهتمام بكل ما تعلّق بذاكرة المواطن، موروث منذ أجيال وأجيال، جعل الإنسان الجزائري لا يتغيّر.
هذا في اعتقادي تقريبا كيف نرى موضوع الذاكرة؟ كيف نطبّق هذا؟ هذا موضوع شاسع، ويحتاج إلى طول نفس، لماذا؟ لأن هناك رواسب منها حديثة وقديمة، تراكمت أغلبها موروثة من الفترة الاستعمارية، ولم نعتني بها العناية الكاملة والكافية بعد استرجاع السيادة الوطنية.
على الجزائري أن يكتشف الكنوز الثّقافية الموجودة في بلده، وهناك عمل دؤوب بين مصالح الدولة التي تهتم بالسياحة والرياضة وشؤون الشباب لمساعدتهم على اكتشافه، لا يحتاج إلى أن يسافر للسياحة وهو لا يعرف بلده.
هل ينهي تعيينكم من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لمتابعة ملف الذّاكرة، وتعيين الرّئيس الفرنسي لبنجامين ستورا، استغلال الملف سياسيا؟
الموضوع شائك وسهل في نفس الوقت، قد نسمّيه السهل الممتنع، ما يتداول في الجزائر وفرنسا أنّنا مكلّفان بكتابة التاريخ، ليس موضوعنا تماما لأن المنطلقات مختلفة والرواسب الموجودة هنا وهناك، وكذلك النظرة إلى الآخر مختلفة.
وبالتالي لا يمكننا تقريبا أن نكتب تاريخا مشتركا، يمكن أن نكتب تاريخا يكتبه مؤرّخون، كل على حدة سواء من طرف مجموعات أو أفراد لكن كل في بلده.
ويمكن بعد ذلك، أن يتم حوار بين مثقّفين ومؤرّخين لتناول بعض جوانب هذا التاريخ، الذي فرض علينا أن يكون مشتركا، لم نختر أن تلتقي الجزائر بفرنسا في ظروف صعبة، وأن تخضع الجزائر لعملية إبادة، أو تشويه لشخصيتها أو نهب لممتلكاتها الثقافية.
وقع هذا وانتهى، علينا الآن أن نبحث كيف يمكن أولا: أن نبحث كيف يتم استرداد الموروث الذي ذهب؟ وثانيا: أن نساعد على علاقات متوازنة بين الجزائر وفرنسا، حتى تكون هذه العلاقات مثلها مثل العلاقات مع البلدان الأخرى.
حتى يكون واضحا، الجزائر على مدى التاريخ لم نعرف أنها كانت بلدا معتديا، بل حاولت أن تكون وسيطا في حل المشاكل على المستوى الدولي، وقد فرض علينا العيش مع جيراننا تحت سلطتهم وسيطرتهم، وتحت كل من يمكن أن نصنّفه من جوانب سلبية طيلة 132 سنة، لكن مهما كان فهو جار يفصل بيننا بحر، إنه على مرمى حجر وهو جارنا، وبالتالي لا يمكن أن تكون العلاقات بيننا وبين فرنسا متميزة إلى الدرجة التي تكون منفردة، بل تدخل في علاقاتنا الدولية بصورة عادية، هي دولة من الدول الكبرى، علينا أن نجد التوازن مع الدول الكبرى وفرنسا إحداها.
والحوار الذي ينبغي أن يقوم، كيف يمكن توظيف آلام التاريخ وجراحه، بطريقة لا تضر بالعلاقات العادية بين دولتين، هذا تصوري للأمور ليس أن ننسى التاريخ، ولا حتى ننسخه، علينا أن ننظر إلى المستقبل بصورة واسعة، ولا ننسى ما وقع.
قلتم إنّ كتابة التّاريخ ليست مهمّتكما أنت وستورا، ماذا يقع على عاتقكما؟
مهمّتنا ستحدد في إطار توجيهات رئيسي البلدين، لأنّنا معيّنين من قبلهما، وقد حدّدا الإطار العام، ولكن برنامج العمل ومحتواه يجب أن يتم بالتحاور بين الطرفين، كما يحدّد المجال المفتوح للنّقاش.
استرجاع رفات شهداء المقاومة، الحدث التّاريخي بامتياز الذي طبع عام 2020، هل توافقون الطّرح؟
بالنسبة لي أشكر الله على أنّني عشت لأشاهد الحدث الفريد في التاريخ، متمثّلا في استرجاع رفات الشهداء المقاومين الأجلاء الأبطال، وأرى أنّها خطوة ايجابية خطتها السلطات الفرنسية، ربما لتغيير النظرة تدريجيا، بالنسبة للتراث السّجين عندها، والذي يمكن أن تفرج عنه في المستقبل، أتمنى أن يكون قريبا.
الخطوة مهمة جدا، وعلينا أن نواصل الجهد من أجل فتح الملفات العالقة، بالنسبة للتراث المحوّل الذي يوجد في المتاحف الفرنسية والمكتبات، ويدخل ضمن الأرشيف.
إلى أين وصل ملف استرجاع الأرشيف؟
المحادثات متوقّفة منذ زمن، ولا يوجد شيء جديد.
لماذا؟
لأن الطرف الفرنسي ولفترة ليست بالقصيرة وتحديدا سنتين أو ثلاث سنوات، لم يكن لدينا نظير، فبعدما تمّ تغييره لم يعين خلفا له، لكن أعتقد أنّه تم تعيين مدير جديد في الآونة الأخيرة، ويمكن أن تنطلق الأمور.
لكن بالنسبة للأرشيف الموضوع يبقى صعبا لأنّنا لم نتفق بعد بالرغم من مرور 60 سنة من المحادثات، الأرشيف الذي يمكن للدولة الفرنسية أن تعيده بصفة تلقائية هو الأرشيف السابق لسنة 1830، والأرشيف الذي يلي هذه السنة.
هم يضعون الكثير من العراقيل ومن المفاهيم، التي هي غير مقبولة من الطرف الجزائري، وغير مقبولة حتى في قواعد التعامل في القانون الدولي، إذ يوجد قاعدة أساسية وهي أنّ الأرشيف ملك للإقليم الذي تنشأ فيه.
وبالتالي كل الأرشيف المنتج، في الفترة الممتدة بين 1830 و1962 هو ملك للجزائر، ولها أن تسترجع الأصول وليس النسخ، لأن الأمر يتعلق بملكية، وإذا أراد الطرف الآخر أن يحصل على نسخة، يمكن تسليمه نسخة.
أما قبل 1830، فلا يحق للسلطات الفرنسية أن تحتجز ولو ورقة واحدة منها صدرت قبل هذا التاريخ، هذا موقفنا ويبقى كذلك.
احتفلنا قبل أيام بحدث تاريخي بالغ الأهمية يتمثل في اليوم الوطني للمجاهد، والذّكرى المزدوجة لهجومات الشّمال القسنطيني 1955 ومؤتمر الصومام 1956، ماذا تمثّل رمزية الحدث التّاريخي بالنّسبة لكم؟
إنّها ذكرى عزيزة جدا علينا، يوم 20 أوت المخلد لليوم الوطني للمجاهد، ترمز تسميتها إلى كل المجاهدين والشهداء الذين استشهدوا على هذه الأرض الطاهرة، وقدموا النفس والنفيس، كما أنّها وقفة عرفان لكل من أحبّ الجزائر ودافع عنها، الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام.
نلاحظ منذ فترة الكثير من الانتقادات التي تطال نتائجه، لكن بالنسبة إليّ فإنّه يمثل مرحلة أو منعطف أوضح طريقة الثورة، لأن الثوار الأوائل الذين فجّروها، وضعوا بيانا وفيه الخطوط العامة والمبادئ والأهداف، دون تحديد أو تفصيل، ولذلك يعتبر بيان الفاتح نوفمبر بمثابة دستور للثورة التحريرية المجيدة.
وانعقد مؤتمر الصومام ليوضّح الكثير من المسائل التي جاءت في بيان 1 نوفمبر، وليرسم الطريق للوصول إلى الاستقلال، بإحداث نظام سارت عليه الثورة.
البلاد إبان الثورة كانت مقسمة إلى مناطق غير واضحة الحدود، بقيادات معينة، لكن التسلسل لم يكن واضحا، وجاء المؤتمر ليرتّب الأمور وينظّمها، بإقرار التدرج في الرتب العسكرية في جيش التحرير على سبيل المثال، وحدّد نظام العمل الثوري، لاسيما وأنّ الأمر لم يكن يتعلق بجيش نظامي، بل جيش يحتاج إلى سرعة التحرك، والمواجهة وتنظيم القوى الكبرى، وتفكيكها إن اقتضى الأمر حسب الظرف.
مؤتمر الصومام جاء ليهيكل الصورة في جانبها العسكري والسياسي، إذ أحدث لجنة التنسيق والتنفيذ، ثم جاء بعد ذلك المجلس الوطني للثورة، والحكومة المؤقتة.
كلمة أخيرة.
أتمنى أن يرفع عنّا الوباء، ولا أفوّت المناسبة لأنحني على أرواح الشّهداء الأبرار، الذين خضبت دماءهم الزكية تراب الجزائر الطّاهرة.
أتمنّى أن نوفّق في أن نعود إلى مراجعة أنفسنا مراجعة شاملة لنعرف أين هي المصلحة العليا للبلاد، وكذلك التّوفيق وإحداث التوازن بين المصالح الشّخصية والوطن، بحيث يجب أن نتصرّف كمواطنين صالحين، وأن نستلهم من التّراث الجزائري كل معانيه، التي جعلت الجزائر تمر بمحن كبيرة ولا تنكسر، علينا القيام بواجبنا في حمايتها.
حاورته: فريال بوشوية