قال الملك المغربي محمد السادس قبل أيام، إن خيار تقرير المصير في الصحراء الغربية مات وقبر وأصبح في عداد المتوفين، وأعلن بأن الحلّ الوحيد المطروح لتسوية النزاع القائم بين مملكته والصحراويين هو الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية ووحدتها الترابية.
الاحتلال المغربي ومن خلال هذا الكلام الذي يتكرّر كلما عادت القضية الصحراوية إلى واجهة الأحداث، يبدو حاسما لأمره، حيث وأد ونعى الخيار الذي أقرّته الأمم المتحدة قبل أزيد من ثلاثة عقود والمتمثّل في الاستفتاء الحر والعادل، وفصّل مبادرة حلّ على مقاسه لا تغيّر من واقع سيطرته على الإقليم الصحراوي شيئا.
فكيف انحرف العرش بالحلّ إلى هذا المسلك المسدود، ومن ساعده على ذلك؟ وهل يستطيع فعلا إدخال الصحراويين غصبا تحت عباءة الحكم الذاتي في ظل تمسّكهم باستفتاء تقرير المصير الذي يشمل في المقام الأول خيار الاستقلال؟
الجواب عن هذا السؤال يدفعنا للوقوف عند مبادرات التسوية التي شهدتها القضية الصحراوية لنكتشف تواطؤ بعض المبعوثين الأمميّين، الذين باركوا تطاول المغرب على الشرعية وتورّطوا معه في طرح خيار الحكم الذاتي والسعي لفرضه كحل وحيد.
فلما تولّت منظمة الأمم المتحدة الملف الصحراوي منتصف ثمانينات القرن الماضي بعد أن تجاهلته لعقد كامل وتركته على عاتق منظمة الوحدة الإفريقية التي اصطدمت مساعيها بانسحاب المغرب منها إثر انضمام الجمهورية الصحراوية اليها في 12 نوفمبر 1982، تمّ إقرار مبادرة وقف إطلاق النار وتمكين الصحراويين من حقّهم في تنظيم استفتاء يختارون من خلاله إمّا الانضمام الى المغرب أو الاستقلال عنه، ولم يكن خيار الحكم الذاتي مطروحا بالمرّة.
وفي صائفة 1988، طرح الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك «خافيير ديكويلار»على المغرب والبوليزاريو خطة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، وقبِل الطرفان بخطة التسوية هذه وتوصّلا الى وقف إطلاق النار في سبتمبر 1991 ثم شكّلت الأمم المتحدة «المينورسو» وهي البعثة المكلفة بالاستفتاء، وتمّ الاتفاق على اعتماد الاحصاء الاسباني لعام 1974 لتشكيل لوائح وقوائم الناخبين الصحراويين، لكن المغرب قدّم 131 ألف طعن بعد أن «أغرق» الإقليم بمواطنيه، واحتجت البوليزاريو، واختلف الجانبان لتعلن «المينورسو» في ديسمبر 1999 تجميد أو إلغاء خطة الاستفتاء الذي كان مقررا أن يجري في 6 ديسمبر 1988.
و في ظلّ جمود القضية وحالة اللاّحرب واللاّسلم التي استحسنها الاحتلال، دخلت فرنسا وأمريكا على الخطّ وفي جعبتهما مبادرة جديدة تصبّ في مصلحة المغرب وتحمل عنوان «الحلّ الثالث»، وكان عرّاب هذه المبادرة هو المبعوث الأممي «جيمس بيكر» الذي دعا في سنة 2000 إلى إضافة خيار ثالث في الاستفتاء وهو خيار الحكم الذاتي.
ويتجلّى واضحا أن نزاع الصحراويين اليوم هو ليس مع المغرب وحده بل مع مجموعة الدول المتواطئة معه، التي يستمدّ منها القوّة والغطرسة لينتهك القرارات الدولية ويتطاول عليها دون أن يحاسبه أحد.