حاول الروائي إميل زولا أن يفتح بابا للأدب على العلوم، فأخرج للناس ما يسمى «الرواية التجريبية»، جريا على ما تحقق للطبّ على يدي كلود بيرنار.
غير أن المسألة لم تتجاوز عند زولا حدود الإفادة من المنتج العلمي، وركّز بصفة خاصة على «علم الوراثة»؛ لأنه يكفل له تسويغ ما لا يسوّغ في الواقع السّردي، ويتيح له تسيير رسائله بأسلوب غاية في الإقناع..
وبما أن زولا كان يقصد إلى مكافحة الأمراض الاجتماعية في بلاده، فإنه عمد غير مرّة إلى تقديم نماذج لشخصيات (مضرّة) اجتماعيا، وهو الواقع الذي لم يرد له أن يصدم مجتمعه، وإنّما اتّخذ منه أداة توعوية ناعمة، كأن يدّعي بأن المجتمع رفيع الأخلاق، وأن كل الموبقات التي تتسلل إليه إنما تأتيه من الخارج، وهو بالضبط ما فعله مع (تيريز راكان).. تلك التي قتلت زوجها كي تتزوج صديقه..
زولا حبك كل خيوط السّرد بإتقان، كي يضمن موقفا سلبيا من «راكان»، غير أنّه لم يترك الأحداث لتسير على هواها، وإنما ضبطها بما يكثّف كراهية (الفسوق والعصيان)، ثم جعل ضمانة الحماية في تمرير معلومة بسيطة مفادها أن «راكان»، وإن كانت فرنسية اللغة والمنشأ، إلا أن أمّها كانت «جزائرية!!»، دون أن يقول مطلقا إن السبب في مروق «راكان» هو ما ورثته عن أمّها، فهذا يستنتجه المتلقي، والاستنتاج هو ما يرسخ بسهولة في العقل الباطن، كي يتحوّل إلى سلوك طبيعي..
وليس يضيرنا أن يدّعي علينا زولا (وغير زولا) بما ليس فينا، ولا نرى حاجة في تقييمه أخلاقيا، فهو مجرّد مثل نضربه عن خطورة الأعمال الأدبية، وقدراتها الكبيرة في تسيير الأفكار، وتحويلها إلى واقع معيش.
وعلى هذا، ينبغي للكتابة، بما هي المحرك الأول لأي اشتغال في مجال الثقافة، أن تتحلى بالوعي، عوض البقاء في مستوى خبط العشواء..