الموت مصير كلّ حي.. هذا يعرفه الجميع، غير أن الإيمان المطلق به صعب للغاية، حتى إن كبار الشعراء الذين أمعنوا في وصف (الآلة الحدباء) لم يكونوا يصدّقون (تصديقا مطلقا) بأنهم يمكن أن يكونوا معنيين بالموضوع، وهذا طبيعي جدا في الحياة؛ لأن تجربة الإنسان مع «الموت»، تكون – عادة – في الآخرين، وقلّما يصدّق الواحد من الناس أنّه يمكن أن يكون من الآخرين..
هذه خلاصة ما عاش كاتب السطور من «موت»، لعلها لا تعبّر بدقّة عما يختلج بالفؤاد، فقد عشنا الموت جميعا طوال سنوات الإرهاب الأعمى، وظلّ الهاجس يتواصل فينا مع كل إسم غال نفقده، ولا ندّعي أبدا أنّنا توصّلنا إلى ذلك الإيمان المطلق الذي يقضي الإنسان حياته في اللهث وراءه، ولا ينال منه شيئا إلى أن يأتي اليقين..
ولا نريد الخوض في أطروحات فلاديمير يانكيليفيتش، ولا دراسات عبد الرحمن بدوي، ولا كلّ ما قيل منذ فجر الإنسانية في «سؤال الموت»، بما هو السؤال الوحيد الذي يتواصل في الحياة؛ فقد تعلّمنا من آبائنا أن نصف من يتوفاه الموت بأنّه (سلّكْهَا).. هكذا حفظناها بلغتنا الجزائرية الفصيحة.. وهذا وصف يتضمن حمولات معنوية راقية منها (الخلاص)، و(الهناء) وما يرافقهما من معاني (النّجاة) و(التّفوق)، ما يجعل «الموت» موعدا مع معيشة مختلفة يؤثثها الإنسان – طوال وجوده – بكلّ جميل، كي تكون أجمل، وعلى هذا أسّس الصالحون فلسفتهم في الموت، فجعلوها صانعة للحياة، ولم يبق أمامهم من عنائه سوى ألم الفراق، وهذا يهوّنه الصبر..
يعجبنا قول الشاعر.. ليس من مات فاستراح بميت.. الباقي فضول كلام..
رحم الله أخانا فنيدس بن بلة، ولقّاه نضرة وسرورا..