«اتعلموا ما دامنا معاكم “، جملة شّهيرة طالما ردّدها الرّاحل فنيدس بن بلة خلال تعامله مع الصحفيين الشباب في جريدة “الشعب” من أجل حثّهم على تعلّم كل أبجديات مهنة المتاعب، حتى أدق التفاصيل التي تتعلق بكتابة المقالات بكل أنواعها، كان وبكل تواضع وبطيبة قلبه الذي لا يعرف معنى الحقد يصحّح الأخطاء التي يقف عندها لأنّه كان حريصا جدا على النوعية في الكتابات.
الصّحفي الزميل والمسؤول فنيدس بن بلة الذي تعاملت معه لأعوام عديدة، الذي كان يمازحني بمناداتي “أصغر صحفية في الكون”، كان يحب كثيرا المقالات التي تتعلق بالرياضة، وكان متأثّرا بفنيات ومهارات الدولي الجزائري مراد مغني وزين الدين زيدان، إلى درجة أنّ كلمة سر جهاز الحاسوب الخاص به كانت “زيزو”.
كان فنيدس دوما يقول “الميدان هو المدرسة، يجب أن تثقوا في قدراتكم أنتم شباب اليوم لكي تتعلّموا الأسس الصّحيحة لمهنة المتاعب، لأنّنا ذاهبون وأنتم من سيحمل المشعل بعدنا، ولهذا يجب أن تكونوا جاهزين، من خلال تحكّمكم في كتابة كل الألوان الصحفية، أنا ونحن لن نبخل عليكم بالتوجيه والتصحيح”.
فعلا كان بمثابة الداعم الحقيقي، ويمنحنا الأمان لكي نقتحم الميدان، حيث كان يحب كثيرا الريبورتاجات التي تتعلق بالسياحة والموروث الذي تزخر به الجزائر، فكان يطلب مني أن أكتب هذا اللون الصحفي، وكان يشجّعني دوما سواء عندما كتبت على بجاية وتاريخها العريق لأنّه كان يجب كثيرا هذه الولاية، تيزي وزو، وكذا الأحداث الرياضية التي كانت تعيشها الجزائر، كان دائما يطلب منّا تسليط الضوء على الكواليس التي تحدث حتى ننقل للقارئ الأمور التي خفيت عن الكاميرات أو وسائل التواصل الاجتماعي بما أننا في عالم الرقمنة.
ويقول النتيجة يجدها الجميع في وقتها، ولهذا يجب أن تركّزوا على الأمور التي ترونها أنتم ولم تظهر للعلن، لأن القارئ يحب الأشياء الهادفة الخفية والتي تثير الاهتمام، فالصحفي يجب أن يرى الأمور من زوايا مختلفة.
فعلا كان الراحل فنيدس بن بلة قامة إعلامية ومثالا ومصدر تشجيع لنا نحن الشباب، حيث كان يؤمن بقدراتنا ويعرف كيف يزرع فينا حب العمل والتفاني فيه، حتى في طريقة التعامل مع الأحداث الكبرى سواء سياسية أو رياضية أو غيرها، كان يقحم الجميع ويشعرنا بروح المسؤولية.
ولهذا أقول اليوم، إنّ فنيدس رحل جسدا وسيبقى حاضرا بنصائحه، بابتسامته، ببشاشته وغيرته على الجريدة التي كان يسهر على أن تكون دوما في الطليعة، بدليل أنه كان آخر من يغادر التحرير، مثلما كان عليه الحال خلال التتويج بكأس أمم أفريقيا، حيث بقي في المكتب إلى الساعة الثانية صباحا لنقل كل جزئيات الحدث الرياضي، ولهذا فإنّ الكلمات لن تكفي وصف الرجل الذي أفنى حياته خدمة للقلم.
نم قرير العين، إنّا لله وإنّا إليه راجعون…الله يرحمك يا فنيدس.