عرفته منذ دخولي إلى جريدة “الشعب” عام 1997، من أكثر الوجوه طيبة وتواضعا، ومن أحسن الأقلام كتابة وبذلا، مكّنته كفاءته المهنية من اعتلاء أعلى المناصب، من صحفي إلى رئيس قسم إلى مدير تحرير إلى مدير عام، دون أن يغيّر ذلك من أخلاقه شيئا، بل كان دائم التواضع، مبتسما في وجه كل من يلقاه مهما كانت ظروفه، مبادرا بالسّلام، لا يعرف قلبه الطيب حقدا لأحد، وسرعان ما يسأل عنك ويسلم عليك حتى وإن أخطأت في حقه، ناسيا كل ما بدر منك دون انتظار اعتذار أو توضيح منك.
نعم إنّه فنيدس الإنسان الذي بلغ من تواضعه أن يتكفّل بنقل بعض العمال إلى منازلهم بسيارته الخاصة وهو مديرا عاما للجريدة، عند تعذر وجود سائقي الجريدة، وكنت أنا شاهدة على ذلك، بل إنّه قام بتوصيلي ذات يوم وأنا أنتظر السّائق الذي تأخّر في الرجوع. كان يناديني “دكتورة” ويسألني كل يوم إن كنت قرأت له ما كتب، ويطلب رأيي فيه.
كان أوّل من يدخل الجريدة وآخر من يخرج منها، يقف عند كل شاردة وواردة، لا يفوته شيء، يعيد قراءة كل عناوين الجريدة، ويجتهد في تعديلها، حتى تخرج للقارئ دون خطأ أو سوء تركيب، كما كانت له علاقة جد طيّبة مع المراسلين عندما يزور أحدهم الجريدة، يطوف به أقسام الجريدة بنفسه، معرّفا به ومحترما له.
رحل عنّا على حين غفلة منا، لم نسمع بمرضه ولم نزره وهو يكابد المرض في صمت، لقد كان موته صدمة كبيرة لنا، لحد الساعة لا نصدق أننا لن نره ولن نسمع صوته، لكنه قدر الله، وكلّنا إلى الموت سائرون، لكن عمله سيبقى خالدا وصورته عالقة في أذهاننا، إنّه صحفيّ فذّ وقلم نادر من أقلام جزائر الإستقلال…كان رجلا والرّجال لا تموت.
فاطمة الزهراء عامر