المصالح المكلفة بـ»المتقاعدين» عبر جميع أنحاء العالم، تطالب المنتسبين إليها بإثبات (الوجود) كلّ عام، وتقديم «شهادة الحياة» حتى تتجنّب أيّ تلاعب ممكن بحقوق الناس، وهذا طبيعيّ جدا، ولا يمكن تجاوزه..
ولقد كانت مواعيد إثبات الوجود، صعبة للغاية، وتقتضي – بالنظر إلى أعداد المتقاعدين – الصبر طويلا للوصول إلى الشّباك المسؤول عن استلام الشهادة، غير أن الثورة التّكنولوجية أحدثت تغييرات عميقة، فاستغلت المصالح المعنية كل ما تتيحه المعارف الرقمية في تسهيل حياة أولئك الذين أفنوا زهرات شبابهم كدّا واجتهادا، فتحوّلت «شهادة الحياة» (المملّة) إلى مجرد إجراء يشهد عليه موظف بالبلدية، يصادق على الوثيقة، ليصوّرها المتقاعد، ويرسلها عبر البريد الإلكتروني، دون حاجة إلى التنقل.. وهذا معمول به في كثير من الأقطار التي استوعبت كيفية استغلال التكنولوجيات الحديثة.. لكن.. ونعتقد أن ما بعد (اللاكنّ) متعارف عليه عندنا..
قلنا.. لكن سيّدنا (الاستيعاب) ليس متاحا للجميع، خاصة إذا توفر (البيروقراطي المخضرم) الذي يستمتع برؤية الطوابير الطويلة، ويعتبرها برهانا على وجوده، وإثباتا لحياته.. وهنا، لا ينفع كمبيوتر ولا شبكة اتصالات، ولا حتى (هم يحزنون)، وتتطاول الطوابير لتزهق ساعات ثمينة من الحياة، على تقديم ما يثبت الحياة..
والحق أن بلادنا خطت خطوات عملاقة على درب الرّقمنة، بل إنّها وفّرت ما يكفل التّخلص، بشكل نهائي، من فروض «شهادة الحياة»، إذ يمكن ربط مصالح التقاعد بالسجّل الوطني للمصلحة المدنية، ويقوم «رقم التعريف الوطني» بواجب إثبات الحياة دون حاجة إلى وثيقة، وهذه عملية بسيطة في عرف أصحاب الخوارزميات، ترفع الغبن عن المتقاعدين، وتضمن أداء الحقوق إلى أصحابها بمنتهى اليسر..