أرست الجزائر منظومة تشريعية ومؤسساتية متكاملة لحماية الطفولة وضمان حقوقها التي تعتبر جزءا من منظومة حقوق الإنسان، خاصة بعد التعديل الدستوري الأخير الصادر في 2020، والذي كرّس مبادئ جديدة، تساهم في ترقية منظومة حقوق الطفل ومصلحته الفضلى، خاصة فيما يتعلق بمسألة تجريم تخلي الآباء عن رعاية أطفالهم ودسترة مبدأ المصلحة العليا للطفل، وألاّ تكون الحريات ذريعة للمساس بحقوق الطفل.
يقول الدكتور محمد الطاهر غزيز، أستاذ القانون بجامعة ورقلة، إنّ ما يجب الإشارة إليه في البداية هو أنّ الجزائر صادقت على الاتفاقيات الدولية الهامة المتعلقة بحقوق الطفل، لاسيما اتفاقية حقوق الطفل الأممية لسنة 1989 والبروتوكولين الاختياريين المتعلقين بهذه الاتفاقية، إضافة إلى المصادقة على الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل لسنة 1990، وما ترتّب عن ذلك من ضرورة تكييف المنظومة القانونية مع هذه الاتفاقيات، فيما لا يتعارض مع مبادئ وقيم الشعب الجزائري، خاصة قانون الأسرة وقانون الصحة وقانون العقوبات وغيرها.
غير أنّ أهم نص تشريع كفل حماية حقوق الطفل -يقول المتحدث – هو القانون رقم 15/12 المؤرخ في 15 / 07 / 2015 والمتعلق بحماية الطفل، الذي يعد أهم إطار تشريعي وتنظيمي يجسد حماية الطفل منذ أول قانون صادر في 1972، هذا القانون المتكون من 150 مادة، يعد نقلة نوعية تجسد رغبة الجزائر في منح هذه الفئة الرعاية اللازمة وفق المعايير الدولية، وذلك بتبنيه لمجموعة من الآليات التي تضمن حماية حقوق الطفل بصفة عامة، وحقوق الطفل المعرض للخطر بصفة خاصة، التي أولاها المشرّع أهمية كبرى، من حيث إحصاء وتحديد الحالات التي يكون فيها الطفل في وضع خطر يستوجب الحماية بدقة، بما فيها الحالات التي قد تخص الطفل الأجنبي واللاجئ من كل الجوانب.
كما ركّز على وضع التدابير الكفيلة بحماية الفئات الهشة من الأطفال، على غرار ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال غير المسجلين في الحالة المدنية، الطفولة المسعفة، الطفل الجانح، الأطفال المشردين والمعنفين.
وركّز النص كذلك على مبدأ جوهري ملزم للقاضي أينما كان الطفل طرفا في قضية ما، وهو ضرورة مراعاة المصلحة الفضلى أو العليا للطفل، وجعله هدفا من كل إجراء أو تدابير أو حكم قضائي أو إداري، مع مراعاة كل الظروف المحيطة بالطفل والمتعلقة به. وقد تم تطبيق هذا المبدأ خاصة من طرف قاضي الأحداث في المتابعات الجزائية ضد الأطفال وكذلك من طرف قاضي شؤون الأسرة، رغم الصعوبات العملية المرتبطة بتطبيق هذا المبدأ، خاصة فيما يتعلق بالموازنة بين حق الضحية والطفل الجانح، وكذلك الحال في مسألة الوضع الأنسب للطفل المحضون.
كما تضمّن القانون تشجيع التدابير التي من شأنها ترقية الطفولة ودفعها للابتكار والتعبير عن رأيها، وضمان المساواة في مجال التربية والتعليم، وتوفير كل الظروف من أجل أن يعيش الطفل في بيئة آمنة من كل الآفات.
من الناحية المؤسساتية، تمّ إنشاء الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة تحت الوصاية المباشرة للوزير الأول من أجل متابعة الأعمال المتعلقة بحماية الطفل ميدانيا، والمساهمة في وضع التدابير التشريعية حيز التنفيذ بالتعاون مع كل الفاعلين.
ومن أجل ضمان تكفل أوسع بفئة الأطفال، فقد تمّ على المستوى المحلي تأسيس مصالح للوسط المفتوح تحت وصاية مديريات النشاط الاجتماعي وبمشاركة جميع الفاعلين المحليين لمتابعة وضع الأطفال والتبليغ عن أي خطر وشيك أو حال، يهدّد سلامة وأمن وحقوق الأطفال، وكذلك القيام بدور الوسيط بين الطفل أو ذويه من جهة والطرف المتضرر بسبب جنوح الطفل من جهة أخرى، والمساهمة في إعادة إدماج الأطفال وتأهيلهم.
وأشار الدكتور غزيز – في السياق – إلى أنّه بموجب الأحكام الانتقالية للقانون 15/12، فقد اعتبر تاريخ إصدار هذا القانون المصادف ليوم 15/07 من كل سنة، يوما وطنيا للطفل الجزائري.
واعتبر محدّثنا أنّه رغم أهمية ما تم إقراره من تدابير تشريعية لحماية الطفولة في الجزائر، إلا أن هناك تحديات عديدة تنتظر الجزائر في هذا المجال، خاصة مع التطور التكنولوجي الذي يفرض على المشرع تبنّي إجراءات جديدة، تضمن حماية الطفل في البيئة الرقمية والافتراضية والتي لا تقل خطرا عن الفضاء الحقيقي، لما تشكّله من تهديد ليس على الطفل فقط، بل على الوطن بكامله أين يمكن استغلال الأطفال في هذه البيئة غير الآمنة، ما لم تتخذ لأجلهم تدابير أكثر فاعلية دون المساس بحقهم في الاستخدام الرقمي والتكنولوجي.