في الشتاء، يبرّر التّجار ارتفاع أسعار السّمك بالأهوال التي يلاقيها الصيادون في عرض البحر، حتى إذا حلّ الصيف بنسائمه وهدوئه، يركب «المبرّر» مركبا جديدا، فيقول التّجار، إن الأسماك صارت نادرة في البحر..
ولا تختلف الحال مع تجار الخضر والفواكه، فهؤلاء يرفعون الأسعار شتاءً، بذريعة عجز الفلاحين عن الوصول إلى منتجاتهم وسط الأوحال المتراكمة، ثم يرفعون الأسعار صيفا بحجّة (قلّة الشي)، ومثلهم الموالون والجزارون الذين يتذرّعون بغلاء (الماكلة)، فيأتي الإعلان عن دعم غير مسبوق لمواد (العلف)، وعندئذ لا يجدون أمامهم سوى المسارعة إلى رفع الأسعار من جديد، بذريعة (ندرة الماركة).. وهكذا دواليك.. ترتفع أسعار مادة معينة في بورصة شنغاهاي، فيرفع التاجر الجزائري أسعاره، ثم تنخفض أسعار المادة نفسها بالبورصات العالمية (كلّها على بعضها)، فيرفع تاجرنا الهُمام أسعاره مرة أخرى، وتبقى الحال على حالها، والمواطن المغبون لا يجد دورا يلعبه في مسرح الحياة، عدا دور الأضحية..
وإذا صدّقنا جدلا بأن المنتج الفلاحي يمكن أن ينقص في فترات معينة، فإننا لا يمكن أن نصدّق بأن الندرة يمكن أن تصيب الأسماك، فـ(السردين) – على سبيل المثال – يكاد يخرج من الماء مقليا جاهزا، غير أن أسعاره لا تكفّ عن التصاعد، ناهيك عن أسعار المواد (الفارهة) مثل الجمبري (الله يذكرو بالخير)..
ولا ننكر أن الأسعار مرتبطة بطبيعة الاستهلاك ونوعيته، وأن رواج مادة بعينها يرفع من سعرها، ومن ذلك أن أسعار الجراد (الرّْوَايَال)، في بعض المجتمعات، أكثر ارتفاعا من أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء (وما يأكل السبع)، وهذا يعني أن المسألة برمّتها لا تتعلق بمستويات الإنتاج وحدها، وإنما تتدخل فيها عوامل أخرى، قد يكون بينها مستوى الإحساس بـ»الانتماء» إلى المجتمع، والندرة الرهيبة لما يسمّى «التاجر الورع»..