ليس مستغربا أن يتطلّع المواطن إلى برامج الوزارة المشرفة على القطاع الذي يشتغل به، فالفلاحون والمربون ينتظرون دعم وزارة الفلاحة، والصناعيون يتوجّهون إلى وزارة الصناعة، والراغبون في تعلم مهنة يترقبون ما يصدر عن وزارة التكوين المهني، والأطباء ومن سار على هديهم لا يرون بديلا عن وزارة الصحة، ولا تتوقف هذه القاعدة عن الاشتغال، إلاّ عند وزارة الثقافة، فهذه تستقطب (المريدين) من كل القطاعات، وتلقي في قلوب الجميع الإحساس بالانتماء إليها، فالطبيب يمكن أن يكون روائيا، والفلاح يمكن أن يكون شاعرا، والمهندس قد يطوّع نوتات السلم الموسيقي، وهكذا دواليك، إلى أن يصبح لقطاع الثقافة جمهورا (مجمهرا) ممّن يكتسبون قناعة تامة بأن لديهم «حق» عند «الثقافة» ينبغي أن لا يحرموا منه..
هذا طبيعي جدا، ومن حقّ كل موهوب أن يحظى بالعناية؛ لأن الموهبة وحدها لا تكفي لبناء العمل الفنيّ المقنع، فهي تحتاج إلى أن تُصقل بالعمل الجادّ، والمعارف الأصيلة، ومثال ذلك أن «المقْنين» موهوبٌ في إلقاء مقطوعات موسيقية من نوع (التيواواطي)، ولكنه لن يتمكن أبدا من تجاوز موهبته، لأنه – في أصله – لا يتقن التعامل مع السلم الموسيقي، ما يعني أنه لا يمكن أن يُحسب في الفنانين المبدعين، حتى إن أُعجب الناس بموازين موسيقى (السرفاتي والغالوبي) وما شابه..
خلاصة القول إذن.. قطاع الثقافة لا يمكن أن يستوعب كل من يحسّ في نفسه بأنه فنان مرموق، بمجرد أداء بسيط، أو تركيب لعدد من الجمل.. والحق أن الفنان المتمرّس يدرك بوعي خالص أن حاجته إلى الاتقان أكبر من حاجته إلى الوزارة؛ لأنه – ببساطة – يعرف ثقل لفظة «الفن».. وليس مجرد (مقنين)..