حققت الجزائر إنجازات مهمة في مجال حماية البيئة من خلال مواءمة سياسات التنمية مع تحديات التنمية المستدامة، وهي تسلك طريق الانتقال نحو نموذج تنمية أكثر استدامة، مع التركيز على الطاقة المتجددة والحفاظ على التنوع البيولوجي وإدارة الموارد بكفاءة حسبما يؤكده الخبير في البيئة والتنمية المستدامة علي حربي في هذا الحوار لـ«الشعب”.
”الشعب”: ما هي العلاقة بين البيئة والتنمية الاقتصادية؟
علي حربي: التنمية الاقتصادية أمر ضروري لتحسين جودة حياة الأفراد والمجتمعات. ومع ذلك، لضمان استدامتها، من الأهمية بمكان دمج حماية البيئة في العمليات الاقتصادية. تؤثر الموارد الطبيعية المحدودة وتدهور النظام البيئي وتغيرات المناخ بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصادي. من خلال تعزيز الممارسات الاقتصادية المستدامة، يمكننا تقليل المخاطر وتعزيز الابتكار وخلق فرص عمل خضراء.
من جانب آخر، تقدم حماية البيئة العديد من الفوائد الاقتصادية. فهي تعزز كفاءة الطاقة وتقلل من التكاليف المرتبطة بالموارد، كما أنها تشجع على الابتكار التكنولوجي مما يحفز النمو الاقتصادي.
تخلق الصناعات المعتمدة على الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة وإدارة الموارد المستدامة، أسواقا جديدة وتولد فرص عمل، بالإضافة إلى ذلك، تحسن حماية البيئة الصحة العامة، مما يقلل من التكاليف المرتبطة بالأمراض المرتبطة بالتلوث.
حماية البيئة هي مسؤولية مشتركة، يجب على الحكومات والشركات والمواطنين أن يعملوا معا لتحقيق مستقبل مستدام ومتوازن من الناحية الاقتصادية والبيئية.
ترتبط حماية البيئة والتنمية الاقتصادية بشكل وثيق. فالتنمية الاقتصادية المستدامة تتطلب إدراكا لأهمية الحفاظ على كوكبنا للأجيال القادمة. من خلال دمج ممارسات احترام البيئة، يمكننا خلق اقتصادات أكثر مرونة وابتكارا وعدلا، مع ضمان استدامة كوكبنا.
ماذا حققت الجزائر فيما يتعلق بالتوافق بين البيئة والتنمية المستدامة أو التنمية الاقتصادية؟
بصفتي خبيرا في التنمية المستدامة، من الضروري التأكيد على الإنجازات البارزة للحكومة الجزائرية في مجال حماية البيئة ومواءمة سياسات التنمية مع تحديات التنمية المستدامة. تلتزم الجزائر بتعزيز نموذج تنمية اقتصادية يحترم البيئة، وقد أسفرت هذه الجهود عن إنجازات ملموسة تستحق تسليط الضوء عليها.
في إطار تعزيز الطاقة المتجددة، اتخذت الحكومة الجزائرية إجراءات ملموسة لتعزيز الطاقة المتجددة بهدف الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري ومكافحة تغير المناخ.
حددت الجزائر أهدافًا طموحة في مجال الطاقة المتجددة، مع خطة تهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 27 بالمائة من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030 وتم إطلاق مشاريع كبيرة مثل بناء حدائق للطاقة الشمسية لتحقيق هذه الأهداف، ومازال هناك العديد من الفرص لزيادة حصة الطاقة المتجددة والمساهمة بشكل أكبر في السوق العالمية وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الهيدروكربونات واستخدامها.
كما يعد الحفاظ على التنوع البيولوجي أولوية للحكومة الجزائرية. فقد تم إنشاء مناطق محمية للحفاظ على النظم البيئية الفريدة في الجزائر البرية والبحرية. على سبيل المثال، تضم الحديقة الوطنية لتاسيلي ناجر، التي تم تصنيفها كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو، تشكيلة استثنائية من النباتات والحيوانات. تم تنفيذ مبادرات للتوعية والمراقبة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض ومكافحة الصيد الجائر.
بالنسبة لإدارة النفايات والمياه، اتخذت الحكومة الجزائرية أيضا إجراءات لتحسين إدارة النفايات والمياه. تم تنفيذ برامج لإعادة التدوير ومعالجة النفايات للحد من التأثير البيئي، ومع ذلك فإن هذه الجهود لا تزال غير كافية. تم إطلاق مشاريع لتحلية مياه البحر لضمان توفير مياه كافية في المناطق الجافة. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ حملات توعية لتشجيع ممارسات الاستهلاك المسؤول وتوفير الماء. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة ملحة إلى تحسين تسعيرة المياه لتشجيع استخدامها الفعال وتقليل الهدر.
ويجدر التأكيد أن الجزائر تلتزم بمواءمة سياساتها التنموية مع أهداف التنمية المستدامة. فقد قدمت الحكومة مبادئ التنمية المستدامة في برنامجها والسياسات في القطاعية وهناك جهود تبذل لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتوفير التعليم ذي الجودة، والوصول إلى طاقة نظيفة وتحقيق أهداف أخرى للأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وتم إقامة شراكات مع المنظمات الدولية والمبادرات الإقليمية لتعزيز هذا النهج.
تسلك الجزائر طريق الانتقال نحو نموذج تنمية أكثر استدامة، مع التركيز على الطاقة المتجددة والحفاظ على التنوع البيولوجي وإدارة الموارد بكفاءة. تعكس هذه الإنجازات التزام الجزائر ببناء مستقبل أكثر خضرة واستدامة للجميع.
ومع ذلك، هناك جهود مهمة لا بد من القيام بها في مجالات أخرى مثل تقليل تلوث الهواء في المناطق الحضرية، وتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وحماية التربة من التلوث الكيميائي وتحسين إدارة النفايات المنزلية. تطرح قضايا بيئية حاسمة أخرى أمام الحكومة الجزائرية والمجتمع عموما، مثل حماية الساحل ومكافحة تلوث البحر الأبيض المتوسط والحفاظ على الأراضي الزراعية من التحضر غير المنضبط والحفاظ على الحدائق والغابات. في هذا الصدد، تبقى هناك حاجة عاجلة إلى تحديث التشريعات والقوانين البيئية.
هل تعتقد أن الاقتصاد التدويري يمثل حلا مجديا للإحاطة بالمشاكل البيئية التي تعد النفايات أهم أسبابها؟
يؤدي الاقتصاد الدائري دورا حاسما في الانتقال نحو التنمية المستدامة وحماية البيئة. وهو يستند على مبدإ تقليل النفايات وإعادة استخدام الموارد وإعادة تدويرها وتجديدها، من خلال تعزيز تقليل النفايات وتحويل المواد إلى قيمة. ومع ذلك، وعلى الرغم من فوائدها العديدة، إلا أن الاقتصاد الدائري لديه أيضا بعض القيود عند مقارنته بتحديات التنمية المستدامة.
يوفر الاقتصاد الدائري العديد من الفوائد فيما يتعلق بالتنمية المستدامة وحماية البيئة. فهو يساهم في تقليل استهلاك الموارد الطبيعية وإنتاج النفايات، مع تعزيز الكفاءة الطاقوية وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. من خلال تعزيز إعادة الاستخدام وإعادة التدوير، يساهم في الحفاظ على الموارد المحدودة ومكافحة التلوث. بالإضافة إلى ذلك، يعزز الاقتصاد الدائري الابتكار وخلق وظائف خضراء وتحفيز النمو الاقتصادي على الأمد الطويل.
وعلى الرغم من فوائده، يواجه الاقتصاد الدائري بعض القيود بالنظر الى تحديات التنمية المستدامة.
اعتقد انه لا يمكن أن يحل جميع المشاكل البيئية. بعض الصناعات مثل الزراعة المكثفة أو التعدين لها آثار سلبية على البيئة تتطلب مقاربات شاملة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الاقتصاد الدائري مقيدا بالقيود التكنولوجية والتكاليف العالية للتنفيذ والمقاومة التي يواجهها في بعض الصناعات. من الضروري أيضا ضمان أن السياسات والتدابير التي يتم اتخاذها في إطار الاقتصاد الدائري تكون عادلة ولا تخلق اختلافات اجتماعية واقتصادية.
لا بد من التأكيد كذلك أن الاقتصاد الدائري يساهم بشكل كبير في التنمية المستدامة وحماية البيئة من خلال تقليل النفايات والحفاظ على الموارد وتعزيز الابتكار. ومع ذلك، من المهم أن ندرك قيوده وأن نتعامل معه في سياق تحديات التنمية المستدامة الأوسع. النهج المتكامل، الذي يجمع بين الاقتصاد الدائري وغيره من التدابير والسياسات المكملة، ضروري لتحقيق انتقال مستدام ومتوازن نحو مستقبل محترم للبيئة.