لا حديث هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي إلا عن ياسر بولعراس، الشاب الذي يخوض رحلة نحو مدينة إيلزي بأقصى الجنوب الجزائري ولا عُدّة له إلا حمارا هزيلا يحمل عليه بعض متاعه.
الرحلة بدأت قبل أيام انطلاقا من مبنى البريد المركزي، وقيل إن صاحبها تجاوز منطقة «التيطري»، وهو ينشر صوره تباعا عبر شبكة «انستغرام»، لكنها رحلة يصبحها كثير من الجدل، الذي ارتكز أساسا على الحمار الهزيل، الذي قيل إنه لا يتحمّل تلك المسافة الطويلة التي تتجاوز الألفي كيلومتر.
يتواصل الجدل بين رافضي الفكرة ومؤيديها، الذين اتهموا مخالفيهم بأنهم تحوّلوا إلى قوم مدافعين عن حقوق الحيوانات، بعد أن كانوا إلى وقت قريب محللين رياضيين وخبراء في النفط وحتى في القوانين الدستورية.
ولم يكن ياسر بولعراس، أول شخص اشتهر باسم حماره وارتبط به، فهو يحيل إلى «شاب آخر» كان قد ملأ الدنيا وشغل الناس قبل قرون طويلة، عندما خاض ثورة دموية عنيفة ضد الدولة الفاطمية، ويتعلق الأمر بـ «مخلف بن كداد»، الشهير بـ «أبي يزيد النكّاري»، أو «صاحب الحمار»، الذي تنقلُ كتب التاريخ أنه ارتكب جرائم لا تقلّ بشاعتها عن جرائم «داعش» و»القاعدة» في عصرنا هذا.
وكان الكاتب المسرحي التونسي عزالدين المدني حوّل القصة التاريخية إلى مسرحية تجريبية جميلة بعنوان «ثورة صاحب الحمار»، وكأنه تنبأ بالجرائم التي ارتكبت بعد ذلك، وكأن التاريخ يعيد نفسه بأشكال أكثر دراماتيكية.
ولأن التاريخ لا يعود دائما بشكل بشع، فقد عاد «صاحب الحمار» في أيامنا هذه، بشكل أنيق متخلصا من السيف وكل أدوات الموت، ومسلحا بالتكنولوجيا الحديثة التي تنقل إلينا الصورة والصوت في «الوقت الحي»، وكأن ذلك المقاتل تأثر بعد ذلك بالرحّالة ابن بطوطة وماركو بولو.
ومهما كان النقد الذي يواجهه ياسر بولعراس، فإن رسالته الإنسانية جميلة، ومهما كان مصير رحلته تمكن من محو صورة الدم التاريخية المرتبطة بـ»صاحب الحمار»، التي تحوّلت إلى صورة أخرى مليئة بالتحدي والصبر، أما حكاية الحمار وقدرته على تحمّل هذه الرحلة فذلك نقاش آخر.