تحولّت ظاهرة الإدمان على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى آفة اجتماعية وسيف ذو حدين لدى مستعملي هذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة خصوصا لدى فئة القصر من مراهقين وأطفال أغلبهم تلاميذ وطلبة المرتبطين ارتباطا وثيقا بالخدمات المتنوعة التي تقدمها هذه الوسائط سواء كمحتوى ترفيهي أو تثقيفي وتربوي في مجال البحوث العلمية وخلال العطل الذي يجد فيها الطفل متسعا كبيرا من الوقت، لكن يبقى الجميع غير محصّنين في هذا العالم المفتوح أو الوعاء الكبير الذي يتدفّق فيه كما هائلا من المعلومات والأفكار المفيدة والهدّامة بحسب الخبراء الذين طالبوا بتشديد الرقابة على بعض المواقع التي تبث سموما للتأثير على العقول، حيث بدأت عدد من الهيئات التربوية والمجتمعية تستشعر الخطر الداهم والمخاطر المستقبلية الناتجة عن الاستعمال السيء والمكثف لهذه التقنيات الحديثة.
الأولياء.. مسؤولية كبيرة
دقّت الكثير من الهيئات والمنظمات الاجتماعية المختصّة في حماية الطفولة وفئة المراهقين، ناقوس الخطر بسبب تنامي مختلف الآفات الاجتماعية السلبية بداية من مظاهر الانحرافات التقليدية التي لا تزال تهدّد أركان المجتمع على رأسها ظاهرة تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة التي تحوّلت إلى أزمة حقيقية أدت إلى تحريك كل الفاعلين والمؤسسات الرسمية إلى تنظيم حملات تحسيسية وطنية عبر ولايات الوطن بمشاركة كل الفاعلين من جمعيات، مؤسسات تربوية، مراكز التكوين، قطاع الصحة، الشؤون الدينية، الصحة وغيرها من أجل التحرك لحصر الآفة والتقليل من أثارها الوخيمة على المجتمع والفئات الهشّة والحساسة أو ما يعرف بالقصر وفئة الأحداث الأكثر تضررا واستهدافا من قبل مجموعات الإجرام.
إلى جانب الأزمة المجتمعية التي تجندت لها كل الهيئات بغرض التدخل في الوقت لحماية الأطفال والمراهقين من هذه المخاطر المحدقة، بدأ المجتمع يواجه أخطار جديدة مستحدثة مرتبطة بالتطوّر التكنولوجي الذي تعرفه المجتمعات، وهي أكثر خطورة وتأثيرا بحسب المختصين الاجتماعيين والأكاديميين الذين قدّموا عدة دراسات وأبحاث حول تأثير شبكة الانترنت أو الاستعمال السيء لهذه الوسيلة أو العالم الفسيح الذي يبحر فيه الجميع بحرية، لكن الخروج منه ليس مثل الدخول بالنظر الى طبيعة المحتوى المتنوع والمتشابك الذي يهيمن على مواقع الفضاء الأزرق، خصوصا بعدما عرف الجانب الترفيهي لدى الطفل تحولا من الأنشطة الرياضية الى ألعاب الانترنت التي يقضي فيها جل أوقاته.
وقد تحوّلت عملية الاستعمال والتصفح إلى إدمان يومي خصوصا بالنسبة للقصر وتلاميذ المؤسسات التربوية من الجنسين الذين يقضون وقاتا طويلة في مقاهي الأنترنت لإجراء البحوث الدراسية أو قاعات العاب الفيديو لتمضية الوقت بعيدا عن أعين الأسرة، وبالتالي هم معرضين أكثر لحملات ومحتويات مغرضة قد تدفعهم الى الانحراف والدخول في متاهات خطيرة واكتساب سلوكات منحرفة في حالة غياب الرقابة والمتابعة من قبل الأولياء الذين يتحملون بالدرجة الأولى مسؤولية حماية ومرافقة أبنائهم للاستفادة من الخدمات التعليمية والترفيهية لشبكة الانترنت وتجنيبهم الوقوع في مخالب مروجي الأفكار والرسائل الهدامة بمحتوياتها المختلفة من صور وفيديوهات.
الأنشطة الرياضية ضرورة في التأطير
وبهدف مرافقة وتحسيس الأطفال والمراهقين بأهمية الاستعمال العقلاني لشبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت حتمية وضرورية لتوفير الخدمات المختلفة لكل الفئات والقطاعات الخدماتية والاقتصادية وأيضا خلال العطل المدرسية.
وكذا الأثر السلبي الناجم عن الجلوس لساعات طويلة أمام الشاشة سواء على الصحة الذهنية أو الجسدية، وبداية تشكل الشعور النفسي بالعزلة عن المجتمع والتمرّد على العادات والروابط الاجتماعية والأسرية وهي من أكثر الآثار انتشارا وخطورة على تماسك المجتمع حسب بعض الدراسات الأكاديمية.
كما تدرّجت آفة الاستعمال السيء للانترنت ونتائجها الكارثية كالإدمان الذي أصبح يهدّد حياة الأطفال والمراهقين وخطر الوقوع في شباك الجماعات الإجرامية التي تعبث بعقول الناس، لتصنف الى جانب المظاهر السلبية الأخرى كألعاب الفيديو، تناول المخدرات وغيرها من السلوكيات التي أضحت تهدّد المجتمع والصحة العامة، وهو ما أدى إلى تحرك المنظمات المجتمعية والهيئات الرسمية الى تنظيم عدة حملات وأيام إعلامية تحسيسية بالمدارس والجامعات وغيرها.
أطفال يقضون وقتا أكبر مع الانترنـت صيفا
أبدى العديد من الأولياء بولاية ورقلة تخوفا كبيرا من انغماس أبنائهم في الفضاء الافتراضي خلال العطلة الصيفية، وما توفره الأنترنت من محتوى أو إمكانية للتواصل بمجهولين قد يشكّل خطرا عليهم.
يعود سبب ذلك ـ حسبهم ـ لقلة فضاءات التنزّه والتسلية وحرارة الجو خلال ساعات الصباح التي تضطرهم للبقاء في بيوتهم وبالتالي قضاء وقت أطول عبر الانترنت ويعتبر من جهتهم بعض الأولياء، أن العطلة الصيفية فرصة للعب بالنسبة للأطفال، مشيرين إلى أنهم يفضلون مشاركة أبنائهم اللعب الجماعي بالقرب من التجمعات السكنية، باعتباره وسيلة تعليمية مهمة، بدلا عن استخدام الأنترنت لساعات من الوقت.
وأكدوا أن حرصهم على متابعة أبنائهم ومراقبتهم في استخدامهم للأنترنت، يبقى نصف حل، خاصة أنه لا يمكنهم الاستمرار في مراقبتهم طوال الوقت وأبرز العديد منهم تخوفهم من استخدامات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي قد تشكل خطرا بالنسبة للأطفال، الذين قد يتعرضون إلى الابتزاز أو قد يقعون ضحايا للاستغلال من قبل مجرمين. وأكد العديد منهم أن هذا الوضع يتطلب ضرورة ملء فراغ الأطفال، بتسجيلهم عبر المدارس القرآنية القريبة من بيوتهم أو في دورات تكوينية تفيدهم خلال العطلة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن فصل الصيف يعد فرصة رائعة للأطفال، حيث يمكّنهم الاستمتاع بالأنترنت واستكشاف عوالم جديدة، إلا أنه يحمل أيضًا تحديات ومخاطر، ومن واجب الآباء والأمهات أن يكونوا على اطلاع بتلك المخاطر وأن يتخذوا الخطوات اللازمة لحماية أطفالهم وتوجيههم في استخدام الانترنت بطريقة آمنة ومسؤولة، كما أكدت الأخصائية النفسانية وجدان بلعلمي في حديثها لـ«الشعب”، مبرزة ضرورة تحديد أوقات مخصّصة لاستخدام الأنترنت وتحديد أنشطة بديلة مثل الرياضة أو القراءة أو الفنون، من أجل تشجيع الأطفال على استغلال فترة الصيف لممارسة الأنشطة الخارجية والتفاعل الاجتماعي.
وبهذا الصدد ترى محدثتنا أن الأنترنت صار جزءا أساسيا من حياة جميع البشر بمن فيهم الأطفال، فهذا جيل ولد ليكبس زرا ويفتح شاشة، وقد يظن بعض الآباء أن أطفالهم آمنون في غرفهم وهم مع أجهزتهم وحواسيبهم بعيدا عن مخاطر الشوارع ورفاق السوء، وذلك لأنهم عندما يتصلون بالأنترنت يكونون هادئين، ولا يكاد يصدر عنهم صوت يزعج هدوء المنزل، لكنهم لا يعرفون ما الذي يشاهده أطفالهم حقا وهو ما يطرح التساؤل “هل الأطفال آمنون فعلا في العالم الرقمي؟”.
وأكدت بالأخصائية النفسانية بلعلمي أن مع حلول فصل الصيف، يصبح لدى الأطفال المزيد من الوقت لذلك يقضونه على الأنترنت ومع زيادة استخدام الأنترنت، تتعاظم الخطورة التي يمكن أن يواجهها الأطفال عبر العالم الرقمي، لذا من الضروري أن يكون لدينا وعي بالتحديات والمخاطر المحتملة وأن نتخذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال.
كما أشارت، إلى أن استخدام الإنترنت يأتي أيضا مع مخاطر شديدة، مثل المحتوى غير اللائق والتسلّط والتنمّر الإلكتروني الذي يواجهه العديد من صغار السن، والمحتالين عبر الشبكة والذين يتواصلون مع الأطفال باستخدام التطبيقات والمواقع التي يتفاعل فيها هؤلاء الصغار، وقد يتظاهر المحتالون بمظهر طفل أو مراهق يتطلع إلى العثور على صديق جديد، ويحثّون الطفل على تبادل المعلومات الشخصية، مثل العنوان المنزلي ورقم الهاتف، أو يشجعون الأطفال على الاتصال بهم والتواصل معهم تمهيدا لاستغلالهم والتغرير بهم.
من هنا تؤكد محدثتنا، أنه ينبغي على الآباء والأمهات ضبط إعدادات الحماية واستخدام برامج فلترة المحتوى لمنع وصول الأطفال إلى مثل هذا النوع من المواد الضارة، بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التوعية بمخاطر التحرش عبر الأنترنت وقد يكون الأطفال عرضة للتواصل مع أشخاص غرباء يحاولون استغلالهم أو ترويعهم، من الضروري أن يتعلم الأطفال كيفية حماية خصوصيتهم وعدم مشاركة معلومات شخصية مثل الاسم الكامل أو العنوان أو أرقام الهواتف.
بعض محتويات الانترنت خطر حقيقي
تشهد بلادنا طفرة نوعية في استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال، جعلت من التواصل الافتراضي أمراً متاحاً للجميع بغض النظر عن السن والدوافع والأهداف.
يواجه الأطفال اليوم العديد من المخاطر عند استخدامهم لشبكة الانترنت، فقد يقعون في لحظة غفلة من الأولياء كضحايا للكثير من الجرائم السيبرانية لسهولة استدراجهم وصعوبة مراقبة نشاطاتهم داخل الشبكة.
أشار د. بوجمعة بلفخار الأخصائي النفساني إلى أن شبكة الانترنت تتيح للأطفال إمكانية التواصل مع الغرباء ومع ثقافات وديانات غريبة عنهم، وهو أمر يشكّل خطراً عليهم باعتبار أن هذا التواصل غير المدروس من شأنه التأثير على شخصيتهم مستقبلاً، وقد يضع بين يديهم كماً هائلاً من المعلومات والمكتسبات السلبية التي قد تكون مخالفة لمعتقداته وضوابط المجتمع.
وأضاف قائلاً، أن الانترنت فضاء سهل لغرس بعض القيم والأفكار السلبية في أذهان الأطفال، وقد يقعون ضحايا لبعض الألعاب الالكترونية المضرّة بالسلامة العقلية والجسدية على غرار الحوت الأزرق ومريم، كما أن بعض المواقع الالكترونية تعرض محتوى موجّه للأطفال يتضمّن عنفاً لفظياً أو جسدياً، هذا المحتوى ـ يضيف المتحدث – قد يُكوّن في العقل الباطني للطفل أفكاراً خطيرة، وتغذي لديه قناعة راسخة بأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتعامل في حياته اليومية.
وأكّد بلفخار أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام أصبح نشاطاً يوميا يستهلك وقتاً طويلاً من يوميات الأطفال، بين نشر صور وتصفّح أخبار المشاهير وفيديوهاتهم، حيث تحول تصفح الانترنت إلى نشاط روتيني للأطفال والقصّر، موضحاً بأن هذا الأمر قد يسبّب مشاكل وتبعات اجتماعية بين الطفل وأهله.
واستطرد قائلاً، بأن مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت بصفة عامة هي فضاء للتفاعل وإبداء الآراء سواء بشكل إيجابي أو سلبي، ويعتبر الأطفال الحلقة الأضعف في هذا الفضاء، ففي الوقت الذي يكون بمقدور البالغين التعامل مع محتوى الانترنت بحذر وبنضج، قد يتصادف الطفل مع بعض المنشورات التي يكون فيها قدر كبير من التنمّر أو استعمال الألفاظ البذيئة أو صور ماسة بالذوق العام، وهي أمور تؤثر بشكل سلبي على الأطفال.
نوّه المتحدث إلى أن غريب الأخبار والحوادث هي أكثر شيء ينجذب إليه الأطفال والقصّر، لهذا يكون تأثير مثل هذه المواقع كبيراً على تكوين شخصية الطفل وأفكار المراهقين، بل سيحاولون بعد فترة إسقاط مثل هذه الأفكار على واقعهم وتقليد ما يتابعونه على مواقع الانترنت.
عرّج الأخصائي النفساني للحديث عن أضرار الاستخدام المفرط للانترنت، مشيراً إلى أن الشبكة العنكبوتية باتت خارج سيطرة شريحة واسعة من الآباء الذين أعلنوا عجزهم عن مواجهة هذه المعضلة، والتحكّم في الحجم الساعي الذي يقضيه أطفالهم في تصفح الانترنت، مشيراً مرة أخرى إلى أن الطفل مقلّد جيد لتصرفات الآباء الذين يشكّلون أنموذجاً يحتذى به.
استعمال مفرط للشبكة العنكبوتية
وعن التأثيرات الصحية للانترنت على الأطفال، أوضح بلفخار أن الاستعمال المفرط للشبكة العنكبوتية قد يسبّب شعور الطفل بالاضطراب والقلق وقلة النوم، وفقدان مقدرته على التواصل الحقيقي مع الوسط المفتوح، فالإدمان على الانترنت قد يؤدي بالطفل إلى عدم القدرة على التواصل الاجتماعي الحقيقي، وقد يؤدي به إلى الكسل والخمول والبدانة لدى الأطفال، ناهيك عن الأمراض العضوية من ضعف النظر والسكري.
وأعرب الأخصائي النفساني بلفخار بوجمعة عن استحالة منع الأطفال من تصفح الانترنت، غير أن هناك إمكانية لوضع ضوابط له من طرف الأولياء، يتمّ تكييف تلك الضوابط وفق احتياجات الأطفال سواء تعليمية أو تربوية.
دعا بلفخار إلى ضرورة وجود مراقبة مستمرة لنشاط الأطفال والمراهقين على الانترنت من طرف الأولياء، مع الحرص على تخصيص أوقات للجلوس مع الأطفال وتصفح الانترنت برفقتهم، وهي فرصة لإبداء الرأي والنصيحة وتحذير الأطفال من مغبّة الانجراف وراء ما ينشر من سلبيات على صفحات الانترنت.
شدّد المتحدث على ضرورة وضع حدود معقولة للحيلولة دون سيطرة الانترنت على حياة الطفل، من خلال استخدامها لفترة محدودة وترك فسحة من الوقت للعائلة، اللعب، الحوار والدراسة، مشيراً إلى أن القاعدة الأمريكية على سبيل المثال تحدّد حجماً ساعياً لاستخدام الانترنت على حسب سن الطفل، فتحدّد نصف ساعة فقط للأطفال ما بين 10 و12 سنة، وهو أمر اعتبره صعب التطبيق في مجتمعنا ولكن يمكن للآباء تحديد الوقت الذي يرونه مناسباً بضوابط معقولة.
لم يخفِ بلفخار ما تعانيه الولاية من نقائص كبيرة في مرافق الترفيه الخاصة بالأطفال، غير أن الجمعيات ومديرية الشباب والرياضة تعمل على تنظيم بعض الأنشطة الترفيهية، إلى جانب المدارس القرآنية التي ينبغي الاستثمار فيها وجعلها مفيدة لأبنائنا.
وقال بلفخار “من الخطأ إخافة الأولياء من عواقب استخدام الانترنت، ففيه جوانب إيجابية كثيرة خاصة أنها باتت تحتوي اليوم على برامج تعليمية ونماذج للدروس والامتحانات، بل المطلوب هو استغلالها فيما هو إيجابي بدون الوصول إلى درجة الإدمان”.
الجريمة الالكترونيـة
قد تمثل الانترانت بيئة خطيرة للأطفال والمراهقين فقد أصبح معظم الأطفال يدخلون هذا العالم بشكل أقرب إلى الإدمان، في ظل تجاهل بعض الأسر وعدم فرض رقابة صارمة ودورية على هواتف أطفالهم، ضنّا منهم أن للانترانت فوائد ايجابية فقط.
يتحدث الدكتور عبد الرحمان بن جدو مختص في علم اجتماع التربية لـ«الشعب”، عن هذا الإشكال الذي تعاني منه معظم العائلات، خاصة ونحن مقبلين على بداية العطلة الصيفية، سيتجه الجميع إلى كيفية استغلال أوقاتهم بالبحث عن الراحة والاستجمام، ولأن الأطفال هم الفئة الأكثر حاجة إلى استغلال العطلة الصيفية فستجدهم يبحثون عن الوسائل الترفيهية المختلفة والمتنوعة.
والملاحظ اليوم، أن بعض الوسائل الترفيهية كالتلفاز لم يعد يلبي حاجة الأطفال في ظل وجود الشبكة العنكبوتية التي أصبحت تطغى على الحياة اليومية للصغار قبل الكبار، فلا تكاد تجد اليوم طفل لا يحسن استعمال الهاتف الذكي أو اللوحة الذكية وفي نظر الأسرة أنه الوسيلة المناسبة للتقليل من المشاكل التي قد يقوم بها في المنزل أو في الشارع .
إلا أن الإشكال الخطير الذي سيعود على الأطفال القصّر إذا كانوا يمتلكون هاتفا خاصا بهم متصل بشبكة الأنترنت ولديهم حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، انستغرام، تيك توك …)، فتطور الجريمة الالكترونية اليوم جعلها تتجه إلى كل فئات المجتمع بما فيها الأطفال القصر الذين يتمّ استغلالهم والنصب عليهم عن طريق الإعلانات المزيفة.
وللتقليل من سلبيات الانترنت على هذه الفئة من المجتمع توجّب تشديد الرقابة وعدم ترك الأطفال أمام الشبكة العنكبوتية في غرف مغلقة، والحرص على أن يستخدموا الإنترنت في مكان مفتوح أمام أعين الكبار، وتحديد وقت معين لاستخدام الأطفال للإنترنت، واستخدام برامج حماية الأطفال سواء على الكمبيوتر أو الهاتف المحمول.
خلايا وفرق عملياتية لمراقبة ومتابعة الفضاء الأزرق
أصبحت شبكة الانترنيت جزءا أساسيا من حياة المجتمعات وبات كل شخص كبير أو صغير يستخدمها، خاصة مع كثرة التطبيقات وسهولة الولوج إليها، وبهذا أصبحت تسيطر على جوانب كبيرة من الحياة، ما انعكس ذلك على أفكارهم وقيمهم وسلوكهم.
كشف محافظ الشرطة بأمن مستغانم بشير. ب، عن وجود خلايا وفرق عملياتية لمراقبة ومتابعة كل ما يجري عبر الفضاء الأزرق تحت إشراف جهاز العدالة، فضلا عن مصالح مركزية على مستوى المديرية لكبح نشاط الشبكات الإجرامية التي يمتد نشاطها وطنيا.
وتقول من جهتها الأخصائية النفسانية فتيحة شويتي في هذا الصدد، “بعد أن كانت مخاوف العائلات المستغانمية على الأطفال تقتصر في السابق على أمور بسيطة، تضاعفت المخاوف في زمن الانترنيت وأخذت منحى آخر خاصة أمام غياب الرقابة الفعالة على استخدام الأطفال لهذه الشبكة”.
وأردفت المتحدثة، “بحيث أصبحت هذه الأخيرة تشكّل خطرا حقيقيا يؤثر على قدرات الأطفال الجسدية وصحتهم النفسية، إضافة إلى مخاطر جمة يخفيها هذا العالم الشاسع والمخيف والمعقد، بما فيها انتشار الشبكات الإجرامية التي باتت تتواصل مع الأطفال باستخدام التطبيقات والمواقع، وقد يتظاهر المحتالون بمظهر طفل أو مراهق يتطلع إلى العثور على صديق جديد، ويحثّون الطفل على تبادل المعلومات الشخصية، أو يشجعون الأطفال على الاتصال بهم والتواصل معهم تمهيدا لاستغلالهم والتغرير بهم.
والأمر الأكثر خطورة ـ حسب الأخصائية ـ وهو جهل الكثير من الآباء عن هذه التطبيقات التي يمكن لأطفالهم الوصول إليها وهو ما يولد شعورا بالعجز والحيرة لديهم، مما سيسهل على هؤلاء العصابات عملية استدراج الأطفال.
دعوة لإدراج الجرائم الإلكترونية في قانون حماية الطفل
دعا أستاذ القانون بالمركز الجامعي لتيبازة، عبد القادر عميمر، إلى إيلاء أهمية كبيرة للقوانين التي تحمي الأطفال، من خلال إدراج نصوص جديدة متعلقة بالجرائم الإلكترونية التي يتعرضون لها عن طريق شبكة الأنترنت.
تحدّث الدكتور عميمر في هذا الصدد قائلا: “الأطفال من الفئات الهشّة التي يمكن أن تٌستغل من قبل المجرمين واستدراجهم ويمكن إيقاعهم في المحظور وتعرّضهم لمختلف أنواع الجرائم واستغلالهم في مواقع إباحية”.
وتابع بالقول: “القانون 15-12 هو الذي يضمن الحماية للطفل، لكن يظهر أنه ثمّة غياب نصوص تتعلّق بالجرائم الإلكترونية التي يتعرّض لها الأطفال، وهذا ما يجب إعادة النظر فيه بالنسبة لهذا القانون أو إصدار قوانين أخرى مكمّلة”.
وتطرّق المتحدث إلى عنصر التبليغ عن وقوع الجريمة، أي تعرض الأطفال للجرائم الإلكترونية بالقول: “فضاء الأنترنت غير متحكّم فيه والدول ليس لها سيادة عليه كما أن التعاملات الإلكترونية لا يحكمها لا زمان ولا مكان، والعنصر البشري هو الحلقة الأضعف، فمن الضروري القيام بعمليات توعية لضمان أمنه لأن توفير الهياكل اللوجستيكية غير كاف، وتعديل القانون وجب أن يأخذ عنصر التبليغ لحماية الناس من الابتزاز”.
بالإضافة إلى ضبط الإطار القانوني لحماية الأطفال من الجرائم الإلكترونية، دعا عميمر الأولياء إلى ضرورة الاعتناء بأبنائهم حتى لا يقعوا ضحايا لمجرمين يستدرجونهم عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي وكذا المواقع على شبكة الأنترنت التي يتصفّحها بعض الأبناء.
في هذا الصدد صرّح قائلا: “أنصح الأولياء بعدم التساهل مع أبنائهم وعدم ترك أجهزة الهاتف في المتناول من الأساس، وهذا يضمن عدم وقوعهم في الإدمان على استعمال وسائل التواصل، وبالتالي حمايتهم من جرائم مثل أخذ معلوماتهم، فهناك مجرمين يستعملون تطبيقات متطوّرة يمكن أن تغير نظام الكاميرا فتصبح تصور ما بداخل البيت بدلا من خارجه”.
وأكد عميمر، بأن المجتمع الجزائري بحاجة إلى توعية لحمايته من الجرائم المعلوماتية، حيث تسعى الجمعية قيد التأسيس التي يرأسها، القيام به بعد حصولها على الاعتماد (الجمعية الوطنية للتوعية والسلامة المعلوماتية)، ذلك أن القانون 09-04 الذي يتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، يعطي الصلاحيات للهيئة الوطنية لمكافحة الجريمة الإلكترونية.
وتهتمّ جمعية التوعية والسلامة المعلوماتية بكل ما هو سيبراني، وأي قضية لها علاقة بالأخطار التي تسبّبها الجرائم المعلوماتية، وستقوم بأنشطة لتوعية كل الفئات من بينهم الأطفال في المؤسسات التربوية، وستعتزم في هذا الصدد إقامة ملتقيات وأيام دراسية لفائدة المجتمع.
منصور منصور: المشكلة والحل
يعتبر رئيس جمعية رعاية الطفولة لولاية الوادي، منصور منصور، ولوج الأطفال القُصّر وحتى المراهقين منهم لمواقع التواصل الإجتماعي واسعة الانتشار، خطرا مستترا واختراقا الكترونيا مدمرا لقيمهم وأخلاقهم، وسببه الأول الفراغ والإستعمال السيء والسلبي للتكنولوجيات المتصلة بالإنترنت، خاصة في العطلة الصيفية الطويلة.
وقال منصور منصور، في تصريح خصّ به “الشعب”، أنّ تكنولوجيا الإتصال أتاحت للمجرمين الوصول للأطفال، ومحاولة تحييدهم واستدراجهم بطرق وأساليب شيطانية، واللعب على نقاط ضعفهم بإغراءات وأمنيات وأفكار لها تأثير مباشر على سلوكياتهم ومعتقداتهم، ومع مرور الوقت يصبح الطفل أو المراهق مدمناً ومنساقاً ومتحكما فيه عن بعد.
وينجم عن ذلك الاختراق العائلي، بحسب منصور، عدة مخاطر على الطفل تبدأ بالحديث المتبادل مع الغرباء ثم يتحوّل شيئا فشيئا إلى تحرّش غير مباشر عن طريق التفاعل والحوار، وكذلك سرقة معلوماتهم الشخصية ببرامج ضارة لاستعمالها كوسيلة ضغط عليهم، إلى أن يؤدي الأمر إلى بروز معاناة وصراعات بين الآباء والأبناء وحدوث مشاكل ومشاكسات تصل أحيانا إلى الهروب من البيت أو القيام بتصرفات وسلوكيات منافية للأخلاق والقيم.
في هذا الصدد، اقترح المتحدث ذاته، اتخاذ تدابير لمعالجة هذه الظاهرة السلبية مثل بث برامج تحسيسية وتوعوية شاملة ودائمة عبر قنوات التلفزيون العمومي حول مخاطر إدمان الأطفال على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتنبيه وتذكير الأولياء عبر ومضات إعلامية اشهارية على مدار اليوم للحد من استعمالها، وإدراج موضوعات ودروس ضمن المقررات والمناهج الدراسية في الأطوار الثلاثة يكون هدفها الأساسي توضيح سلبيات بعض مواقع الانترنت والتشجيع على عدم ولوجها وتجنّبها قدر الإمكان.
كما أشار منصور إلى أهمية تقييد وصول الأطفال القُصّر إلى مواقع التواصل الاجتماعي من خلال ضبط عمليات ولوجها والتسجيل الكترونيا فيها، مع تحفيز وتشجيع الآباء على دمج أبنائهم في الجمعيات والنوادي الطفولية، وحثهم على الانخراط في المسابقات وممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية لملء فراغهم وصقل مواهبهم.
وتابع بالقول: “عملنا في جمعيتنا المتخصّصة في رعاية الطفولة هذه السنة على فتح عدة ورشات ونوادي ونشاطات صيفية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأطفال والمراهقين من أجل التقليل أو القضاء على ظاهرة الإدمان على الانترنت، وقد وجدنا استجابة واسعة من طرفهم لملء فراغهم وتنمية مهاراتهم وبالتالي تحييدهم عن الانحراف”.
وخلص رئيس الجمعية الولائية لرعاية الطفولة بالوادي منصور منصور، إلى أن تعرّض الأطفال لخطر إدمان مواقع الانترنت وإمكانية وصول الغرباء إليهم، يحتاج لوقفة جادة ومجهودات جبّارة من الأولياء وجمعيات وتنظيمات وهيئات رسمية، قصد وضع ميكانيزمات وآليات ناجعة للحدّ من تداعياتها السلبية مع عدم التفريط في ايجابياتها التعليمية.
سمية فاضل: هكذا نوفر بيئة رقمية آمنة للطفل
ودعت رئيسة جمعية حماية الطفل وحقوق الإنسان، المؤسسة حديثا بمعسكر، إلى تلقين الأولياء وأرباب الأسر، إعدادات وتقنيات الرقابة الأبوية على أجهزة الهواتف الذكية، لفعاليتها في توفير بيئة رقمية آمنة للطفل، موضحة أن حملات التحسيس والتوعية التي تستهدف الأطفال لحمايتهم من الاستخدام السيء للأنترنت، لابد أن تستهدف الأولياء أيضا. وبرّرت سمية فاضل ذلك بالقول، إن الأطفال بطبيعتهم يدفعهم الفضول وحب الاكتشاف، إلى تجربة أشياء جديدة، فهم غالبا لا يرضخون لتعليمات المنع.
وقالت سمية فاضل، أن حملات التحسيس والتوعية عبر برامج إعلامية نافعة، تستهدف الأولياء، وتتضمّن تدريبهم على تفعيل خاصية الرقابة الأبوية على هواتف أبنائهم، قد يكون لها أثر بالغ في الحدّ من مخاطر استعمال الانترنت، التي تجاوزت مساوئها، قدرات الأسرة على تربية أبنائها تربية سليمة، خاصة مع الانتشار الواسع لعدة تطبيقات الكترونية سامة، أوقعت العديد من القصر ضحايا للإدمان الالكتروني وماله من آثار نفسية وذهنية على الطفل، زيادة على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت فضاء مفضلا لهذه الفئة التي تستغل وتستدرج من طرف المجرمين،
وأشارت رئيسة جمعية حماية الطفل، أن المجتمع يعي جيدا مختلف المخاطر المحدقة بأفراده، نتيجة الاستعمال السيء للإنترنت، ويدرك كذلك أن السلطات الأمنية لم تفشل في معالجة القضايا الإجرامية المتعلقة بمكافحة الجريمة الالكترونية، رغم ذلك تبقى الوقاية أحسن من أي تدخل أمني بعد وقوع الجريمة، خاصة إن كان الضحية طفلا بريئا، في وقت يحظى جنوح الأطفال باهتمام بالغ.
ورافعت سمية فاضل في تدخلها بخصوص حماية الأطفال من الاستعمال السيء للأنترنت، من أجل العناية بالطفل، بداية من الأسرة التي يقع عليها الجزء الكامل من المسؤولية، من خلال مراقبة أجهزة الهواتف الذكية الموفرة للأطفال في سن مبكرة، بداعي اللعب أو التعليم، وكذا تفعيل نظام تقييد المحتويات غير اللائقة والإشراف على توقيت استعمال الجهاز.