صدرت روائية جديدة، في الأدب الواقعي، لملازم الحماية المدنية، والروائي، رحو شرقي، الذي فاض حبره أيام تواجده بمستشفى معسكر، للعلاج من إصابته بفيروس كورونا، سرد أحداثا واقعية ممزوجة بوحي خياله، عن قصة وقعت في فترة زمنية استثنائية لم يُرَ مثلها من قبل.
تحكي رواية “سنفونية الرحيل – قبر ومدينة”، أحداثا حقيقية، جرت في أروقة جناح العزل الصحي، أين مكث الكاتب رحو شرقي أياما عديدة، للعلاج من إصابته بفيروس كورونا، حيث لم يفوت إطار الحماية المدنية، فرصة تواجده بالمستشفى، ليشغل نفسه بإنتاج أدبي جديد، بعد عدة أعمال روائية حقّقت نجاحا في محافل الكتاب على الصعيد الوطني والدولي، على غرار رواية على خط النار، والمجموعة القصصية، “طيور الشتاء”، التي افتكت المرتبة الثالثة في قصة القصيرة بمهرجان همسة الدولي لأداب والفنون بجمهورية مصر.
وتسرد رواية “سنفونية الرحيل – قبر ومدينة”، وقائع لصراع الموت من أجل الحياة، وحالة القلق والتوجّس، الذعر والاستنفار لتلك الفترة من الجائحة، من بدايتها حتى نهايتها، متطرقا إلى الحالة الشعورية الغريبة، التي انتابت سكان مدينته، من بينهم شخصيات الرواية، “قادة وعبد القادر البهلول”، لتبدأ رحلتهما في فضائين مختلفين جراء اجتياح الوباء للمدينة، في سرد حكائي وبناء متوازي ومتناقض في آن واحد، يحكي عن تسبب العادات الاجتماعية السيئة، في استفحال الوباء بشكل فضيع وتعقيد مهام السلطات للقيام بدورها، وظهور فئات مخرّبة تزامنا مع الوباء، على كل الأصعدة، بما فيها انتهاز المضاربين في احتكار أي مادة من المواد الضرورية.
وتأخذ القصة منعرجا في بعدين من خلال بناء هندسي متوازي، أحدهما طال أفكار الساكنة من تراكمات وممارسات غير سليمة، زادت الوضع تعقيدا، وثانيها اجتياح فيروس كورونا المدينة، في فترة مخاض جديدة لم يعرفها العالم من قبل وتعيشها المدينة في أسوء حالاتها، حينئذ، يجد قادة نفسه داخل المستشفى بجناح كوفيد 19 المنغلق والمعزول عن العالم بعدما تمكّن منه الوباء، لتبدأ قصة أخرى مع المرضى رفقة أبطال آخرين فيشاركهم المعاناة وحالات الموت داخل مشهد تراجيدي، بلغ ذروته من خلال تنامي الأحداث.
كما تتناول الرواية، أحداثا واقعية، جرت بذات المستشفى، منها إقالة مديره، بسبب الاهمال وتعطّل أجهزة الكشف عن الفيروس، وحالة الانتحار الفاشلة لأحد المرضى المصابين، والفزع الناتج عن تأخر الكشف وتلقي العلاج وحالات الموت، في هذا المشهد الروائي، يجد عبد القادر (البهلول)، نفسه وجها لوجه مع الذين يشيعون الفتنة بين الساكنة من أجل تهييج الوضع، تزامنا مع ظرف سياسيي صعب للغاية من الحراك والفراغ السياسي، مما سيعقد الأمر بسبب الشائعات وعدم تقبل الحياة الجديدة (الحجر).
وحاول الكاتب رحو شرقي، وضع المتلقي أمام الثوابت والمتغيرات فالمكان ثابت ( المدينة/ المستشفى) والمتغير هو الزمن (زمن الوباء)، من خلال مشاهد يتنقل فيها الراوي بين المدينة والمستشفى بفنية عالية الدقة وسلسة، فالتغيير الحاصل في القصة إما إلى أفضل أو إلى أسوأ، مادام الزمن التاريخي يتجه إلى الأمام وتسبح فيه حيوات الشخصيات في مسار واحد وإلى زاوية تمثل مصير محتوم في الوباء، ومصير اختياري في العادات.
وتتماثل الأسطورة في رواية قبر ومدينة، في تجديد شخصية (الخضر) عليه السلام في هيئة عبد القادر (البهلول) والذي يظهر بصفة بعثية إصلاحية لمجتمعه وأسرته، واستمرارها في (سعاد – التي طلقها زوجها بعد معرفة إصابتها بفيروس كورونا)، ولمجتمعه من خلال شخصيات الرواية، واسمائهم التي لم تكن اعتباطية بل اختارها الكاتب بدقة متناهية، إضافة إلى المشاهد والأحداث التي دارت بين المستشفى وشوارع المدينة.
وفضّل الكاتب رحو شرقي، أن تحمل الصفحة الأخيرة من مؤلفه الجديد، قصاصة عن مقال صحفي لجريدة “الشعب”، التي حرصت في تلك الفترة، على استطلاع حال المثقفين والكتاب زمن الكورونا، حيث يشير المقال إلى المرحلة الأولى للعمل الروائي، الذي احتاج إلى ثلاث سنوات من عمر الكاتب – ليرى النور.