صاحب انتشار استخدام أداة الدردشة النصية “شات جي بي تي”، في الثلاثي الأول من السنة الحالية، موجة جدل واسع، وأثار مخاوف وتساؤلات كثيرة تذكرنا بما حدث وقت انتشار الانترنيت.
يعتبر مختصون، يتابعون تبنكارات تكنولوجيات وتداعياتها، أن العالم مقبل على ثورة جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي يحكمها صراع محموم من أكبر عملاقة التكنولوجيا.
ويطرح التطور السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي وتوسع استخداماتها في كثير من المجالات، تساؤلات ومخاوف تخص جوانب أخلاقية ومخاطر محتملة.
للذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence) تعريفات كثيرة، ومن التعريفات الشائعة، أنه مجموعة من السلوكيات والخصائص التي تتسم بها برامج حاسوبية، تجعلها قادرة على محاكاة قدرات ذهنية للبشرية، من خلال القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل.
فجأة صار الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، مع بداية 2023، حديث العام والخاص، والكل يريد أن يفهم ما هو الذكاء الاصطناعي، وكيف يُستعمل روبوت الدردشة، رغم أن الذكاء الاصطناعي بلغ ابتكارات هائلة قبل سنوات، أهمها في مجال الطب.
من بين النتائج المبهرة للذكاء الاصطناعي، استخدام العلماء برامج للتنبؤ بهياكل 58% من الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات البشرية، وكان لذلك دورا بالغ الأهمية في التنبؤ المبكر بأنواع من السرطان ومعالجتها.
جدل.. وآراء مختصين
لكن، لماذا كل هذا اللغط والضجة مع إطلاق أولى نسخ “شات جي بي تي” هذه السنة؟
هذا ما يُجيب عنه المهتم بعالم الذكاء الاصطناعي وصانع المحتوى نضال عطاري (مهندس دولة في الإعلام الآلي)، ينشط في صفحات خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، وينشر آخر الأدوات، التطبيقات والتحديثات التي أُدخلت عليها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
يقول عطاري إن الضجة التي أحدثها إطلاق “شات جي بي تي”، بداية السنة الحالية، لا يعود بالأساس إلى الذكاء الاصطناعي في حد ذاته، على اعتبار أن هناك كثير من المجالات اعتمدت سابقا على تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي، وإنما الأمر له علاقة بفتح المجال أمام عامة المستخدمين لاستعمال هذه التقنيات.
وصول المستخدمين العاديين إلى موارد وتقنيات من مصادر مفتوحة، بعد أن كانت حكرا على شركات كبرى وباحثين، حسب عطاري، أحدث كل هذه الضجة واللغط، اذ بات لأي مستخدم في شبكة الانترنيت الوصول إلى أدوات وموارد متاحة مجانا.
تطبيق “شات جي بي تي”، المطروح من قبل شركة ” أوبن إيه أي”، يستخدم تقنية التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، ويعتمد أحدث تقنيات توليد إجابات. كانت أول تجربة للمستخدمين حققت تفاعلا منقطع النظير في مدة قصيرة.
مع هذه التطورات كشّر أبرز عمالقة عالم التكنولوجيا عن أنيابهم في صراع محموم نحو فرض قواعد عالم جديد، ما يفسر مسارعة “غوغل” إلى إطلاق النسخة المنافسة لـ “شات جي بي تي” ، ويتعلق الأمر بـ”بارد”.
تستخدم شركة غوغل نموذج “PaLM 2” لتشغيل 25 ميزة ومنتجا جديدا لديها، بما فيها الميزات الجديدة في تطبيقات الأعمال، الى جانب روبوت المحادثة التجريبي الجديد بارد Bard، وقررت “غوغل” أن تضع ميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة في نظام التشغيل أندرويد 14، مثل ميزة “Magic Compose”.
دعوة لتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي
في جانب آخر يخص ما تفرزه أدوات ذكاء اصطناعي تُعاظم مخاطر العالم الرقمي، مثل تهديدات سيبرانية، التزييف العميق، الاحتيال..آلخ، يشير المتحدث إلى “الشعب أونلاين” الى أن هناك من يدعو إلى ضرورة تقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي مع ظهور وانتشار “شات جي بي تي” وأدوات أخرى، بسبب ما صاحب ذلك من مشكلات قد تتعقد أكثر فأكثر مستقبلا.
وأثارت حادثة الأم الأمريكية التي سمعت صوت ابنتها في الهاتف وهي تقول: “ساعديني يا أمي، أرجوك ساعديني”، ضرورة إعادة التفكير في الأمر، حيث وجدت الأم نفسها أمام مطلب دفع مليون دولار مقابل اطلاق سراح ابنتها البالغة 15 عاما والتي خرجت لممارسة التزلج.
وفي حديثها للصحافة، قالت الأم إن ما سمعته في الهاتف كان صوتا مطابقا لصوت ابنتها بنفس طريقة البكاء، بينما كان الأمر يتعلق بمحاولة احتيال باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
وكان لتقنيات التزييف العميق للفيديوهات deep fake أضرارا ومخاطر كبيرة، بلغت إلى حد تزييف مقاطع فيديو لمشاهير ورؤساء دول صدقها ملايين المتابعين.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، في الأشهر الأخيرة، صورا وفيديوهات تم التلاعب بها باستخدام تطبيقات وبرمجيات تعتمد الذكاء الاصطناعي.
من بين هذه البرمجيات “دال-إي” و”ميدجورني”، “ستايبل ديفيوجن”، “كرايون”، لتوليد صور بإدخال كلمات مفتاحية باللغة الإنجليزيّة.
وفي الجهة المقابلة، يمكن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي ذاتها في كشف التزييف والتحايل، مثلما يرى مختصون.
ومن منطلق القاعدة التي تقول “المعرفة تُذهب الخوف”، يرى المتحدث أن صحيح هناك مخاطر أخرى لا ندركها حاليا، مثلا في “شات جي بي تي” هناك أداة تفرق بين المحتوى العادي والمحتوى المولد عن طريق الذكاء الاصطناعي.
من جانبها توفر شركة “أدوبي” التي أعلنت عن برنامج “فاير فلاي” خاصية، وهي عبارة عن وسم على الصور المولد بالذكاء الاصطناعي للتفريق بين الصور الحقيقة والصور المولدة عن طريق الذكاء الاصطناعي.
فرص وآفاق جديدة في سوق الشغل
وبعكس ما يتخوف منه كثيرون بشأن جوانب سلبية تخص الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي مستقبلا في كثير من المجالات، والتخلي عن مناصب شغل عديدة لا يصبح لها وجود، يرى عطار أن مقابل ذلك، ينتظر أن توفر هذه الأدوات فرصا وآفاقا جديدة في سوق الشغل.
وفي مجال الاعلام، تسعى كثير من المؤسسات الاعلامية الصحفية، مواكبة ما تتيحه استخدامات الذكاء الاصطناعي بهدف تعزيز العمل الصحفي وإشراك الجمهور بطرق جديدة للبقاء في طليعة الصناعة الإعلامية.
ويسعى هؤلاء الى التأسيس لصحافة قائمة على الذكاء الاصطناعي، في التنقل بين الكم الهائل من البيانات المتاحة، ما يضمن الدقة والكفاءة في المضمون الصحفي، من خلال الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتمكين الصحفيين والمحررين ومدققي المعلومات من استخدام أدوات متقدمة لتسهيل العمل وإنشاء محتوى عالي الجودة يعتمد البيانات.
وتستخدم مؤسسات إعلامية حول العالم أشكالاً مختلفة من تقنيات الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، وتستخدمها بشكل أساسي في مراحل إنتاجها الثلاثة الأساسية، مثل عملية جمع المعلومات والبيانات بغرض إنتاج قصص صحفية، عملية إنشاء وتطوير أشكال مختلفة من المحتوى عبر وسائط ومنصات مختلفة، وعملية نشر المحتوى وتقديمه للجمهور المستهدف من خلال مختلف المنصات.