قبل سنين طويلة، كان المطرب الجزائري الراحل دحمان الحرّاشي يغنّي قائلا: «خبي سرك يا الغافل واقرا حذرك لا تبين سرك للغير.. الناس أطوّل الكلام والحيط بوذنيه»، وكنا نكتفي بظاهر القول ونتساءل ببراءة الأطفال: «كيف يكون للحيطان آذان»، لكننا عشنا إلى زمن أصبحت فيه كثير من أجهزة البيت من هاتف وتلفون وآلة غسيل، ومع «انترنيت الأشياء» تمتلك ما يشبه الآذان والعيون التي تنقل كل خصوصياتك إلى جهات لا تعرفها لكنها تعرف عنك كل شيء.
هو أمر يشبه ما يحدث في أفلام الخيال العلمي، وفي الروايات التي تتناول أحداث المستقبل على غرار «1984» للكاتب الانجليزي الراحل جورج أورويل، عندما قال عام 1948 إن من يسميه «الأخ الأكبر» سيتمكن من التجسس على هواجسك الشخصية وأحلامك وسيتلاعب بها بما يخدم مصالحه وسيتحوّل إلى أكبر دكتاتور في التاريخ، وسيحوّل البشر الذين يراقبهم إلى مجرد مسوخ.
ويبدو أن «الخيال العلمي» أصبح «واقعية قذرة»، فقد أخبرتنا وكالات الأنباء العالمية مؤخرا، نقلا عن مجلة «الكوبيوتر شت» الألمانية، أن أجهزة التلفاز الذكية أصبح بإمكانها التجسس على صحابها بنقل كل بياناته وحتى تفاصيل يومياته بكل حميمياتها إلى شركات غوغل وآبل وأمازون لاستخدامها في الإعلانات الموّجهة.
وليت الأمر يتوقع عند «الإعلانات الموّجهة»، فمع الكاميرات المدمجة البالغة الصغر واتصالها المستمر بالانترنيت، يمكن أن تكون الكارثة أكثر من ذلك بكثير وتصبح الحياة الشخصية في المزاد العلني وتتجاوز شركات الإعلانات إلى أجهزة تجسس وجهات مشبوهة أخرى لا يعلم حقيقتها إلا الله.
لقد تسابقت شركات التجارة الإلكترونية الكبرى في تجميع بيانات المستخدمين وبيعها في سبيل «الإشهار الموّجه»، الذي أصبح يدرّ عليها ملايير الدولارات وأصبح أصحاب تلك الشركات على رأس أثرى أثرياء العالم، متفوقين على دول بأكملها. وفي سبيل ذلك، أصبحوا يعدّلون شروط الاستخدام التي يوافق عليها المستخدم عادة بدون أن يقرأها وعندما يفعل ذلك فإنه يحفر قبره بيده.
لقد قيل إن استخدام منتجات غوغل وفيسبوك وغيرها «مجّاني وسيبقى كذلك»، لكن ما لا يعرفه الكثير أنك إذا حصلت على سلعة مجانية فستتحوّل أنت إلى سلعة.