يشرع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون في زيارة دولة إلى جمهورية الصين الشعبية بداية من الاثنين حسب بيان لرئاسة الجمهورية، بدعوة من رئيس جمهورية الصين الشعبية، السيد شي جين بينغ، وتأتي هذه الزيارة بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين لاسيما في المجال الاقتصادي، وتعتبر الصين الشريك التجاري الأول للجزائر بتبادلات تجارية سنوية تتجاوز الـ8 مليار دولار.
وتعدّ الجزائر محطة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية والتي أعلنت عنها هذه الأخيرة سنة 2013. وتهدف مبادرة الحزام والطريق (Belt and Road Initiative) وهي مبادرة اقتصادية وتنموية، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول آسيا وأوروبا وإفريقيا، من خلال إنشاء شبكات من البنية التحتية تربط بين هذه الدول. وكانت الجزائر سنة 2022، قد وقّعت على خطتين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجزائر والصين الأولى تتعلق بـ«الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق”، والثانية هي “الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024”، وكان الهدف من هاتين الخطتين تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة القائمة بين الجزائر وجمهورية الصين الشعبية، وتعميقاً للعلاقات التاريخية والنوعية القائمة بين البلدين الصديقين في شتى الميادين.
تعزيز التعاون الاقتصادي
تعرف العلاقات الجزائرية – الصينية منحى تصاعديا على الدّوام، فقد ساهمت الصين في إنجاز مشاريع وبنى تحتية كبرى بالجزائر لاسيما الطريق السيار(شرق-غرب)، وجامع الجزائر، بالإضافة إلى بناء آلاف السكنات، وتمّ التوقيع سنة 2014 على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين والتي تمّ تعزيزها في نهاية سنة 2022 بما سمي “الخطة الخماسية الثانية للتعاون الإستراتيجي الشامل”، وتهدف هذه الخطة إلى تعزيز التعاون ليشمل مجالات التجارة والاقتصاد والزراعة والطاقة والتكنولوجيا والفضاء والتواصل الثقافي.
وخلال زيارة رئيس الجمهورية إلى بيكين، من المتوقع أن يتمّ مناقشة الشراكات الجديدة لاسيما في مجال الطاقة والمناجم، حيث تمّ تأسيس شركة جزائرية صينية (بين الشركة الوطنية للحديد والصلب FRAAL، والائتلاف الصيني CMH) لاستغلال منجم غار جبيلات لاستخراج خام الحديد وتصنيعه، وتقدر احتياطات المنجم الضخم بأكثر من 3 مليارات طن، وتعول الجزائر على إنتاج ما بين 40 و50 مليون طن سنويا من الحديد المستخرج من “غار جبيلات” ويندرج هذا المشروع الاستراتيجي ضمن سياسية الرئيس للتخلص من التبعية للنفط. وتستهدف الجزائر هذه السنة بلوغ صادرات بقيمة 13 مليار دولار خارج قطاع المحروقات، وتبلغ القيمة الاجمالية لمشروع استغلال منجم غار جبيلات نحو 6 مليار دولار وبعد دخوله الخدمة من المتوقع أن تصبح الجزائر أكبر منتج ومصدر للحديد بالمنطقة العربية.
علاوة على ذلك، بلغت الشراكة الصينية الجزائرية في قطاع الفوسفات 7 مليارات دولار، لإنتاج 5.4 مليون طن من المخصبات الزراعية سنويا، ويقع المشروع الضخم شرق البلاد ويشمل عدة ولايات خاصة ولايتي تبسة وسوق أهراس، وتمتلك الجزائر احتياطات هامة من الفوسفات قدرت بأكثر من 2 مليار طن، ومشروع الفوسفات المدمج سيجعل الجزائر من بين أهم الدول المصدرة للأسمدة، وسيسمح المشروع بخلق ما يقارب 12 ألف منصب شغل خلال مرحلة الإنجاز وحوالي 6 آلاف منصب عمل مباشر و24 ألف منصب شغل غير مباشر في مرحلة الاستغلال.
وتمتلك الجزائر والصين مشاريع مشتركة في مجال الطاقة، حيث تعمل شركات صينية على توسعة ميناء سكيكدة النفطي لتطوير قدراته التصديرية، لاسيما في مجال الغاز المسال، وتطمح الجزائر لأن تصبح مركزا اقليميا ودوليا لإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي والمسال، لاسيما وأنها تعد ثاني أكبر مزود لأوروبا بالغاز الطبيعي بعد النرويج.
ومن المتوقّع، أن يتمّ مناقشة هذه المشاريع والبحث عن فرص جديدة للاستثمار بين البلدين، لاسيما وأن صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم تسعى لتعزيز أمنها الطاقوي بعقد شراكات مع دول ذات ثقل استراتيجي مثل الجزائر.
شراكة استراتيجية متجذّرة
تربط الجزائر وبكين علاقات تاريخية واستراتيجية تمتد لعقود، وكانت الصين الدولة غير العربية الأولى التي اعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة، كما أن الجزائر لعبت دورا مهما في استعادة الصين مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفيما يخصّ الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية، وصفت وزارة الخارجية الصينية هذه الزيارة بـ«فرصة لتحقيق تطوّر أكبر لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين ومساهمة أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”، ومن المنتظر أن يناقش رئيسا الدولتين عدة قضايا مهمة، خاصة مسألة انضمام الجزائر لمجموعة “بريكس”، لاسيما وأن الصين كانت قد رحّبت في وقت سابق بانضمام الجزائر إلى المجموعة واعتبر ذلك خطوة مهمة من شأنها أن تعزّز المجموعة. لاسيما وأن الجزائر تمتلك قدرات هائلة في مجال الطاقة والزراعة ولديها موقع جغرافي استراتيجي مهم.
إضافة إلى ذلك، يتوقّع أن تتمّ مناقشة مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تشمل الجزائر، خاصة وأن الجزائر تسعى إلى بناء أكبر ميناء في إفريقيا لتبادل وتوزيع السلع، والصين تمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال الحيوي.
يرى العديد من الخبراء أن الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى الصين من شأنها تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وبكين والمستمرة منذ عقود، وتأتي في وقت يشهد فيه العلامات تغيرات جذرية على مستوى بنية النظام الدولي، وتسعى الجزائر من خلال هذه الزيارة تنويع شركائها الاقتصاديين والسياسيين ولعب أدوار مهمة لاسيما في محيطها الاقليمي وإفريقيا بالخصوص، وما تمتلكه من إمكانات مادية وبشرية يؤهلها لفعل ذلك.