أحدث برنامج البناء الريفي في الجزائر، في ما مضى من أعوام وعقود، طفرة تعميرية وتنموية هائلة في الأرياف والمناطق المعزولة عبر كل ربوع وطننا، الذي أصبح في منأى عن ظاهرة النزوح من القرى إلى المدن، ويعرف ثباتا سكّانيا في المناطق الفلاحية والرعوية الممتدة لآلاف الكيلومترات شمالاً وجنوباً.
يدخل السكن الريفي ضمن أولويات الدولة الجزائرية، ويندرج في صلب اهتماماتها وسياساتها التنموية بالمناطق الريفية والنواحي المعزولة والنائية عبر أقاليم البلاد الشاسعة، تكريسا للعدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق المعيشية بين المواطنين القاطنين بالمدن والأرياف.
مورد تنموي واقتصادي
اعتبر أستاذ العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير بجامعة الوادي، البروفيسور نور الدين جوادي، برنامج البناء الريفي من بين أكبر الإنجازات في الجزائر على مدار السّت عقود الماضية، وهو برنامج تتعدى نتائجه الفعل الاجتماعي التنموي بكثير ليمس الأبعاد الأمنية والقومية وحتى الثقافية والحضارية.
وقال الخبير الاقتصادي نور الدين جوادي، في تحليل خصّ به «الشعب»، أن صيغة البناء الريفي تشكل محركا مهما للإنعاش الاقتصادي وتحقق توازنا سكانيا بين المناطق، ويُولّد دوامها قيمة مضافة عالية جدا معززة لكل مفاصل مشروع التنمية الوطنية؛ إذ يتطابق ذلك مع توجه ونظرة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
وبلغة الأرقام الاقتصادية، أبرز جوادي، أنّ الحسابات تُظهر مقابل كل 10 سكنات ريفية جديدة يتم بناؤها يتعزز الاقتصاد الوطني بما لا يقل عن 245 مليون دينار جزائري، وبقرابة 26 منصب شغل جديد، بالإضافة إلى ضخ إيرادات للحكومة بين 43 و45 مليون دينار جزائري.
ولفت البروفيسور إلى أن انتشار المساكن الريفية يُوسّع الوعاء الجبائي ويرفع إيرادات الخزينة العمومية من خلال الخدمات الملحقة بمقابل مثل الكهرباء والغاز والماء والصرف الصحي والرسم على السكن وغيرها من الفوائد متعددة المصادر، كما أن إنفاق مقابل 1 دولار على بناء السكنات الريفية يُسفر عنه أكثر من 1.5 دولار كقيمة مضافة في بقية القطاعات، وكل وظيفة تُستحدث في هذا النمط تخلق حوالي 2.5 منصب عمل بمجالات أخرى.
تابع نور الدين قائلا: «رغم أن تلك الحسابات لم يتم دراستها من خلال التجربة الجزائرية نظرا لهشاشة المنظومة الإحصائية الوطنية، إلاّ أنها ومن خلال مراجعة منهجية وطريقة حسابية بحثية يمكن إسقاطها على حالة الجزائر».
ولكي يتعزز أكثر الأثر التنموي لبرنامج السكن الريفي، اقترح الخبير الإقتصادي على الحكومة تعجيل توطين التحول الرقمي في عمق بنية الاقتصاد والمؤسسات العمومية عموديا وأفقيا، ثمّ بناء منظومة إحصائية وطنية دقيقة وشاملة وشفافة يتم تحيينها من حين إلى آخر.
واستطرد يقول: «من دون الإحصائيات الدقيقة يستحيل اتخاذ القرار التنموي الفعال أو الوصول إلى الأهداف المرجوّة من أي برنامج، كما أنه من دونها لا يمكن للباحثين إنتاج أي دراسات علمية ترافق السياسات العمومية للدولة وتطويرها، لا سيما ما تعلق بالسكن الريفي الذي لاقى ويلاقي اهتماما علميا كبيرا من قبل مراكز البحث المتخصصة في الدول المتقدمة».
مهندس قطاع السكن
من جانبه، أوضح رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني، فوزي شابو، أن برنامج البناء الريفي كرس مبدأ المساواة في الدعم بين المواطنين، من خلال توسيع الاستفادة من هاته الصيغة على القاطنين بمناطق الهضاب العليا والصحراء، وفي كل أرياف ومناطق الظل التي تمثل جزءا أصيلا من بلدنا القارة الجزائر.
وأضاف فوزي شابو، في اتصال مع «الشعب»، أن برنامج البناء الريفي أخذ بعين الاعتبار الحفاظ على النسق العمراني المحلي وأصالته حسب خصوصية كل منطقة أو قرية من الوطن، وهو سابقة واستثناء خاص بالدولة الجزائرية الأبية ذات الطابع الاجتماعي المستوحى من بيان الفاتح من نوفمبر 1954م.
وفي تعليقه على تصريحات الرئيس تبون الأخيرة بشأن السكن الريفي قال شابو: «لقد لفت انتباهنا ما تضمنه لقاء السيد رئيس الجمهورية الدوري مع الصحافة الوطنية منذ أيام، حول موضوع السكن وبرامجه وأصنافه المختلفة، التي يُعد هو عرابها بحكم توليه حقيبة قطاع السكن لفترات سابقة جعلت منه ملما بأدق تفاصيله، حيث كان أبرز جزء منه متعلقا بالسكن الريفي وأطلق عليه ثورة صامتة».
وتابع محدثنا، بأنّ الرئيس تبون تناول موضوع السكن بتمكّن ونظرة استشرافية وتخطيط محكم، نابع من رجل متشبع بثقافة الدولة، ترجمته الطريقة العفوية وأسلوبه البارع في الحديث عنه على طريقة السهل الممتنع، مع ايلائه اهتماما بالجانب السوسيولوجي والتوازنات الكبرى في المساحات وطرق البناء.
بالموازاة مع ذلك، يحرص رئيس الجمهورية على ضمان رفاهية المواطن وعدم الإكتفاء بربط مسكنه بشبكات الماء والكهرباء والغاز فقط، بل تعدى ذلك بإسداء تعليمات بغية توصيل المنازل بالألياف البصرية ومشاريع أخرى متماشية مع مقتضيات العصر والمرحلة، بحسب قوله.
وخلص رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني، فوزي شابو، إلى التأكيد على إبراز مثل هذه الإنجازات والترويج لها إعلاميا، قصد تعميمها وتجسيد بناء أكبر عدد منها لأنها ستعطي دفعة بسيكولوجية إيجابية لفئات كبيرة من الجزائريين، منوها في نفس السياق بأهمية رفع مبالغ دعم السكن الريفي للعائلات القاطنة بالمناطق الصحراوية والداخلية، وكذا العمل على تذليل العقبات البيروقراطية وتسهيل إجراءات منحه والاستفادة منه .
للتذكير، فقد أكّد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري الإعلامي الأخير مع الصحافة الوطنية، أنّ السكن من أولويات الدولة وسيتواصل تجسيد مختلف أصنافه، لاسيما السكن الريفي الموجه للأرياف كونه من النجاحات الكبيرة في الجزائر، وساهم في حلّ مشاكل اجتماعية لا تعد ولا تحصى.