تتنافس المؤسسات المالية والمصرفية، على استقطاب أكبر عدد من المتعاملين والزبائن، من خلال محاولتها لتلبية طلب جميع الفئات والشرائح، حيث غالبا ما تعرف المنتجات التمويلية الكلاسيكية عزوف فئة من المواطنين، بسبب طابعها الربوي. ليكمن الحل في الصيرفة الإسلامية كنظام مالي ومصرفي، معتمد من طرف أكبر الأنظمة المالية العالمية على غرار ماليزيا، إندونيسيا وبريطانيا، أين يوجد أكبر بنك إسلامي.
هكذا اكتسحت الشبابيك الإسلامية سوق المال في ظرف وجيز
تماشيا مع متطلبات السوق المالية وفي إطار الإصلاحات الشاملة التي باشرت بها الجزائر، أعطى القانون النقد المصرفي الجديد، حيزا رسميا وواسعا للصيرفة الإسلامية كنشاط مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية، تسهر على مرافقته ومراقبته هيئة الرقابة الشرعية التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، المتكونة من خيرة مشايخ وعلماء الجزائر، من أجل تقديم منتجات بنكية حلال، متوفرة على مستوى البنوك والمصارف على غرار القرض الشعبي الجزائري الذي قدم ما يزيد عن 20 منتجا حلالا خلال السنتين الأخيرتين، حسب ما صرح به رئيس قسم الصيرفة الإسلامية، سفيان مزاري، في حوار خص به “الشعب”.
”الشعب”: انتعشت السوق المالية والمصرفية في السنوات الأخيرة، برواج عدة منتجات بنكية، كما عرفت انتشارا واسعا لصيغة الصيرفة الإسلامية التي لاقت إقبالا كبيرا من طرف المواطنين. هل من الممكن أن تحدثونا عن تجربة القرض الشعبي الجزائري في ما يخص نشاط الصيرفة الإسلامية والقيمة المضافة المنتظر أن تقدمها؟
رئيس قسم الصيرفة الإسلامية، سفيان مزاري: فعلا لقد بادر القرض الشعبي الجزائري بفتح شبابيك إسلامية، في ظل تزايد الطلب على هذا النوع من الصيرفة المالية، حيث تمكنا من فتح، إلى غاية أواخر الشهر الفارط، 97 شباكا للصيرفة الإسلامية على مستوى وكالات القرض الشعبي الجزائري، عبر كامل التراب الوطني، في نفس السياق أطلقنا ما يزيد عن 20 منتجا متنوعا ما بين حسابات ادخارية وحسابات جارية، هنا افتح قوسا للإشارة إلى أن المنتجات الإسلامية، تتم المصادقة عليها مسبقا من طرف هيئة رقابة داخلية للقرض الشعبي الجزائري، ليتم تحويلها بعد ذلك إلى الهيئة الوطنية للفتوى في الصناعة المالية الإسلامية المتواجدة على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى من أجل دراسة ملف المنتجات الإسلامية المطروحة، وإصدار شهادات مطابقة للشريعة الإسلامية، كإجراء يفرضه بنك الجزائر، من أجل الترخيص بتسويق منتجات الصيرفة الإسلامية، مما يعزز ثقة المواطن في هذه المنتجات المطابقة للشريعة الإسلامية، والتي تم الفصل فيها من طرف علماء ومشايخ الجزائر سواء على مستوى الهيئة الوطنية للفتوى أو على مستوى الهيئة الداخلية للقرض الشعبي الجزائري، ممن يسهرون على توجيهنا ومرافقتنا من أجل إطلاق منتجات حلال مطابقة للشريعة الإسلامية.
أين تكمن نقاط الاختلاف بين المنتجات المصرفية الكلاسيكية والمنتجات الإسلامية؟
منتجات الصيرفة الإسلامية تعتبر بديلة للمنتجات المصرفية الكلاسيكية، أين تلعب المؤسسة المالية دور وسيط مالي بالنسبة لهذه الأخيرة، من خلال اقتراض الأموال عن الزبائن المودعين وتحويلها في شكل قروض للزبائن المقترضين في شكل قروض استثمارية أو لاقتناء معدات وعقارات، بنسبة فائدة يتم اقتسامها بين المؤسسة المالية والمودعين.
في حين تلعب دور الوسيط التجاري في حالة الصيرفة الإسلامية، عكس الوساطة المالية، حيث تقوم المؤسسة المالية باقتناء الأصول من عقارات ومعدات، وإعادة بيعها لزبائنها مع اقتطاع هامش ربح عن كل عملية. وهنا تكمن المخاطرة التي يتبناها البنك من خلال امتلاكه لهذه الأصول وتسديد قيمتها على المدى الطويل يصل إلى 40 سنة في حالة القروض المتعلقة بالعقارات. وقد لاقت المنتجات المصرفية الحلال إقبالا كبيرا من طرف المواطنين، باعتبارها مطابقة للشريعة الإسلامية وتتماشى وعقيدة المجتمع الجزائري.
ما مدى مساهمة صيغة الصيرفة الإسلامية في امتصاص الأموال المتواجدة خارج البنوك التي غالبا ما تكون متداولة بالسوق الموازية؟
يرجع ذلك إلى العديد من الأسباب أهمها التهرب الضريبي من طرف المتعاملين الاقتصاديين، وعدم فوترة التعاملات التجارية. إضافة إلى بعض المعتقدات المتعلقة بديننا الحنيف، كتجنب التعامل بالربي، خاصة وأن المعاملات الكلاسيكية هي معاملات ربوية، مما سبب عزوفا لدى المواطن عن التعامل بمثل هذه الصيغ وإقبالا على الصيغ الحلال المطابقة للشريعة الإسلامية، مما يسمح للمتعاملين من إيداع أموالهم في المؤسسات المالية التي تراعي أحكام الشريعة الإسلامية وتخضع منتجاتها لنظام رقابة شرعية. وقد لاحظنا خلال السنتين الأخيرتين إقبالا كبيرا على السوق المالية الإسلامية، حيث سجلنا على مستوى القرض الشعبي الجزائري، إلى غاية أواخر شهر جويلية 2023، فتح أزيد من 40 ألف حساب بنكي، 75% متعاملين جدد، وفي هذا الصدد تمكنت النافذة الإسلامية للقرض الشعبي الجزائري من استقطاب ما قيمته 29 مليار دج، تم إيداعها من طرف متعاملين، اغلبهم أشخاص طبيعيين، يمتلكون حسابات استثمارية، مما يمكن للنافذة المصرفية الإسلامية من تحقيق الشمول المالي.
تعزز مؤخرا النظام المصرفي والنقدي في الجزائر بقانون جديد للنقد والصرف، لتنظيم وضبط السوق المالية.. ما موقع الصيرفة الإسلامية من التدابير والإجراءات الجديدة التي أتى بها هذا القانون؟
يمكن القول أن هذا القانون قد أعطى حيزا واسعا ومهما للصيرفة الإسلامية، التي لم تكن معتمدة بشكل رسمي في القانون المصرفي القديم، حيث أطر القانون الجديد، الصيرفة الإسلامية، كنشاط بنكي يضبطه وينظمه بنك الجزائر من خلال شروط محددة، حيث يمكن أن يتخذ هذا النشاط صيغتين مختلفتين، تتمثل الأولى في إنشاء بنوك إسلامية قائمة بذاتها، أما الثانية فتتمثل في إنشاء شبابيك إسلامية كما هو الحال على مستوى البنوك العمومية والخاصة الناشطة بالسوق المالية. خطوة مشجعة لولوج مجال الصيرفة الإسلامية، نتوقع أن يليها إصدار اللوائح المنظمة لها من طرف بنك الجزائر قريبا، مما سيسمح بانتعاش هذا النوع من الصيرفة وتوسيعه إلى مجال الاستثمار من طرف البنوك العمومية والخاصة، كما ننتظر أن يكون هناك استثمار خارجي لهذا النوع من الصيرفة كسوق مهمة وواعدة ذات رواج واسع بإمكانها تحقيق الشمول المالي.
على ذكر الانتشار الواسع لصيغة الصيرفة الإسلامية والإقبال الكبير على منتجاتها، ما هي حصيلة القرض الشعبي الجزائري لتعزيز هذا الانجاز المالي؟
كما ذكرت سالفا، سجلنا، منذ سنتين ونصف من بدء نشاط الصيرفة الإسلامية، أزيد من 40 ألف حساب بنكي، 75 % منها، هي لزبائن خارج القرض الشعبي الجزائري، إلى غاية 2023، يستفيدون من خدمات 97 شباكا للصيرفة الإسلامية، مشكلة بذلك أكبر شبكة لهذه الصيغة المالية عبر التراب الوطني. في نفس السياق قام القرض الشعبي الجزائري بعقد شراكات مع شركتين للتكافل كبديل لشركات التامين، تختص الأولى بالتأمين عن المخاطر الكبرى، فيما تختص الثانية في المخاطر الخاصة. كما بادرنا بإطلاق منصتين رقميتين للتمويلات الاستهلاكية، إحداهما تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، مع شريكين اقتصاديين، تمكن المواطن من التسجيل عن بعد وتحميل ملف التمويل وتتبع جميع مراحل تتبعه.
ما هي أهم المنتجات التي يقترحها القرض الشعبي الجزائري، وهل من الممكن إعطائنا فكرة عن تفاصيلها من حيث الفئات المعنية، نسبة التمويل، مدة التسديد وغيرها؟
هي منتجات عديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قروض الإيجار المنتهية بالتمليك الموجهة للأفراد كاقتناء سكنات بصيغة الترقوي العمومي أو سكنات خاص-خاص، تمتد مدة تسديده إلى 40 سنة بنسبة تمويل تصل إلى 100% وسن أقصى يصل إلى 75 سنة. من جهة أخرى هناك منتوج آخر موجه للأفراد في شكل “مرابحة -عقار”، يتبع بعقد انتقال الملكية فوري، أين يقوم البنك بنقل الملكية فور شراء العقار.
كما أطلق البنك منتوج “مرابحة- سيارة”، إلى جانب منتوجات تمويلية استهلاكية كاقتناء الدراجات النارية، ومنتوج “مرابحة تجهيز الذي يمكن الزبون من اقتناء تجهيزات كهرومنزلية وأثاث منزلي بالتقسيط المريح تصل مدة تسديده إلى 60 شهر أي ما يعادل 5 سنوات، نظرا للطلب المتزايد على هذا النوع من المنتجات، بقرض قيمته 100 مليون سنتيم، تم رفعها منذ أيام إلى 200 مليون سنتيم.
بالمقابل أطلق القرض الشعبي الجزائري، منتجات خاصة بالمهنيين كالأطباء وسلك المحاماة والأشخاص المعنويين من مؤسسات يمكنها الاستفادة من مرافقة البنك في إنجاز مشاريعها وتجسيد استثماراتها سواء تعلق الأمر باقتناء عقار أو عتاد. فيما يخص الحسابات فلدينا ثلاثة أنواع، الحسابات الجارية للأفراد والمهنيين والمؤسسات، حسابات ادخارية أو عقود مضاربة موجهة تمكن المودعين من الاستفادة من عائد عن أموالهم المدخرة مقابل استثمارها، وحسابات استثمارية لأجل محدد، أين يمكن للفرد أو المهني أو المؤسسة إيداع مبلغ مالي موجه للاستثمار رفقة البنك، وتقاسم الأرباح المحصلة عن العمليات التي يقوم بها البنك في إطار نشاطه العادي.
هناك علاقة وطيدة بين التمويل والتأمين، ما هي أهم الخدمات التأمينية التي ترافق منتجاتكم الإسلامية؟
بالنسبة للتأمين تعاقد القرض الشعبي الجزائري مع شريكتين للتأمين الإسلامي أو ما يسمى بالتكافل لتغطية جل المخاطر التأمينية من خلال عقود مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، حيث تخضع المؤسسات التأمينية الإسلامية أو مؤسسات التكافل إلى نفس الرقابة الشرعية التي تخضع لها المؤسسات المالية الأخرى على غرار المصارف، مما يكمل المنتجات التمويلية التي نقترحها على متعاملينا ويرفقها بباقة خدمات كالعقود التأمينية الإسلامية “تكافل” .