لم نر ما يزعج الفرانسيس ويصيبهم بـ(الوجعة) مثل النشيد الوطني الجزائري.. قد يكون الأمر عجيبا، ولكنه واقعي، إذ لا تتصاعد نغمات «قسما»، إلا ويحترق قلب ذلك المصاب بلوثة الفردوس المفقود، فيفرّ منه مثلما تفرّ الشّياطين من آيات الذكر الحكيم..
ولقد بلغت الوجعة ببعضهم درجة جعلتهم ينتقدون نشيدنا، ويصفونه بأنه (دمويّ) و(عنيف) و(Bla Bla Bla)، رغما عن كلماته الطيبة، وألحانه الرّيقة، فهم عادة يظهرون التململ من مقطع (يا فرنسا قد مضى وقت العتاب) حتى كأنّ سياسة الأرض المحروقة، والقصف بالنابالم، والتشريد والقمع، قام به الفضائيون، وليس الفرنسيون!!..
المفيد الآن هو أنّ مقارنة بسيطة بين «قسما» و(لامارسييز)، يمكنها أن تقدّم صورة العنيف والدّموي الحقيقي.. فإذا جئنا بالنشيد الجزائري، وجدناه يتأسّس على الحقّ، ويرمي إلى العدل، فإذا أقبل على الموت، فذلك ما تضطره إليه فروض الحياة.. والبطولات تكتب بدمائنا، والمجد يرفع على أشلائنا.. أما اتخاذ رنّة البارود لحنا، فهو الجواب الطبيعي لـ(لم يكن يصغى لنا لما نطقنا)، ثم إنّ الجزائري لا يفاخر مطلقا بقتل الأعداء ولا بمطاردتهم، فهذا شأن الفرنسي الذي يجد حلاوة في (سقي أرضه المحروثة بدماء نجسة).. كما تقول (لامارسييز)، أما الأرض الجزائرية فسقياها دماء الجزائريين الطاهرة..
ولا عجب.. فالحمق الفرنسي بارع في اصطناع الأعاجيب، ولقد سبق أن طرح أحدهم سؤالا على الشهيد محمد العربي بن مهيدي، قال فيه: «ألا ترى أنه من الجبن استعمال حقائب وقفف نسائكم لتخفوا فيها قنابلكم التي تقتل الأبرياء؟!»، فردّ بن مهيدي بشموخ الجزائري وسموّ هامته: «وأنتم.. ألا يبدو لكم أكثر جبنا أن تلقي طائراتكم قنابلها وتقتل أضعاف الأضعاف من الأبرياء.. اعطونا طائراتكم، ونعطيكم قففنا».. والحديث قياس..