في تقرير حديث، أطلق «معهد الموارد العالمية» إنذارا بخطورة الأوضاع حيث يتهدّد نحو 25 دولة على مستوى العالم – تضمّ ربع سكان الكوكب – بنقص حاد في إمدادات المياه، نتيجة للإجهاد الشديد الذي يعانيه مواردها المائية المتوفرة.
جاء في التقرير إشارة إلى أن نسبة تقريبية تصل إلى نصف سكان العالم، أي ما يعادل حوالي أربعة مليارات شخص، يعيشون مع واقع متجهم تجاه الإجهاد المائي، حيث يتعرضون لمثل هذا الوضع لمدة شهر واحد على الأقل خلال كل سنة.
تترتب على هذا الأمر تهديدات خطيرة تمس الوظائف والصحة العامة وإمدادات المحاصيل الزراعية ورعاية الماشية واستقرار الطاقة. ولاحظ التقرير بجدية أن غياب إدارة مائية فعّالة سيؤدي إلى تفاقم تبعات الإجهاد المائي مع استمرار تزايد النمو السكاني وتوسّع الأنشطة الاقتصادية وتغير المناخ.
رفع عدد محطات التحلية إلى 19 محطة في آفاق 2024
لمواجهة هذا الوضع، قامت الجزائر خلال المدة الأخيرة بوضع استراتيجية جديدة تعتمد بشكل أساسي على تحلية مياه البحر. تسعى الحكومة الآن إلى زيادة عدد محطات تحلية مياه البحر إلى 19 محطة بحلول عام 2024. حالياً، تمتلك الجزائر عددا من المحطات العاملة بقدرة إنتاج تجاوزت 2.2 مليون متر مكعب يوميا، مما يحقق إنتاجا سنويا يصل إلى مليار متر مكعب، وهو ما يقارب سعة أكبر سد في البلاد، وهو سد بني هارون بميلة. تتطلع الجزائر إلى زيادة قدراتها الإنتاجية إلى 1.5 مليار متر مكعب سنويا خلال السنوات القادمة، مع دخول المحطات الجديدة في الخدمة.
ويشدد الخبير الاقتصادي الدكتور «عبد الله بوخالفة» في تصريح لـ»الشعب»، على نجاح الاستراتيجية الجزائرية في التعامل مع أزمة المياه، معتبرا إياها الأكثر نجاحا على الصعيدين الإفريقي والعربي. وتظهر الأرقام بوضوح هذا الإنجاز، حيث تحتل الجزائر المرتبة الثالثة عربيا في تحلية مياه البحر بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأولى على المستوى الإفريقي.
كذلك، تجلو هذه التجربة الجزائرية أهميتها في استدامة موارد المياه، حيث تعتمد على مؤسسات وطنية في بناء وتشغيل محطات تحلية مياه البحر بطرق إدارة جزائرية خالصة، مما يخفض تكلفة الإنتاج اقتصاديا. بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه الاستراتيجية خطوة استراتيجية تعزز من سيادة الدولة وأمنها المائي، مما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي، خصوصا مع توجه الجزائر نحو تزويد السكان بنسبة 60٪ من احتياجاتهم من المياه المحلاة في المرحلة الأولى في غضون سنة 2030، بالإضافة إلى دعم القطاع الزراعي من خلال توفير مصادر مائية جديدة لضمان استدامة الأمن الغذائي.
وفي ظل ثورة النمو التي يشهدها القطاع الفلاحي في الجزائر بنسب نمو تتجاوز 7٪ سنويا لأكثر من عقد من الزمن، يعتبر الحفاظ على هذه النسب مرتبَطا وثيقا بالاستدامة المائية. على الرغم من الجفاف الذي يضرب منطقة شمال إفريقيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يشعر المواطن الجزائري بهذا بشكل كبير بفضل الجهود الحكومية المبذولة في هذا المجال.
محطات جديدة تدخل حيز الخدمة قريبا
وضعت الجزائر برنامجا يشمل إنجاز خمس محطات تحلية مياه في عدة ولايات ساحلية، بما في ذلك ولاية بومرداس (كاب جنات)، وتيبازة (فوكة 2)، ووهران (الرأس الأبيض)، والطارف (كدية الدراوش)، وبجاية (تيغرمت-توجة). والملفت في الأمر أن هذه الأعمال سيتم إتمامها في زمن قياسي لا يتجاوز 24 شهرا.
وخلال الزيارة التي قادته الى الطارف الأسبوع الماضي وأثناء جولته في مشروع إنشاء محطة تحلية مياه البحر بمنطقة الدراوش في بلدية بريحان بولاية الطارف، أكد الوزير الأول أيمن عبد الرحمان على قدرة هذه المحطة على توفير المياه الصالحة للشرب لسكان أربع ولايات مختلفة (الطارف، عنابة، قالمة سوق اهراس).
وفي هذا السياق، أوضح قائلا: «سيسهم إنشاء هذه المحطات بشكل كبير في توفير فرص العمل، سواء في مجالات الإدارة والمراقبة أو حتى الصيانة.» ويأتي مشروع محطة تحلية مياه البحر بالدراوش في بلدية بريحان على مساحة تقدر بـ 11 هكتار، ومن المتوقع أن يتم تسليمه في ديسمبر من عام 2024.
وتتراوح القدرة الإنتاجية الإجمالية للمحطات الخمس المخطط إنشائها حوالي 1.5 مليون متر مكعب يوميا. وهذا سيسهم في زيادة الحصة الاجمالية لمحطات تحلية مياه البحر على طول الساحل من حوالي 17% حاليا إلى نحو 42% بحلول نهاية عام 2024.