تعمل «الجزائر الجديدة» على هيكلة وتجديد المالية العامة للبلاد، بغية تحقيق الاستقرار المالي والتحكّم في مخاطر الأسواق وتطوير وسائل الدفع وتنمية مستويات الشفافية، من خلال تجسيد الرقمنة ومكافحة الفساد مع تنفيذ قانون المضاربة بكل حزم، فضلا عن تكريس قانون للحد من تبييض الأموال ومجابهة الأموال المشبوهة ومحاصرتها، مع التطور التكنولوجي وسرعة التحويلات المالية.
يجري تزامنا مع إصدار قانون الاستثمار الجديد، معالجة ملف العقار السياحي، الزراعي، الصناعي والحضري، ودمج الأنشطة الاقتصادية الجديدة في مجالات اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والاقتصاد الرقمي وغيرها.. وفق قانون المقاول الذاتي، مع تحدي رفع مستوى المنافسة المصرفية لتحسين قدرات السوق المالي، وتعزيز فكرة البنوك الرقمية مع توجه الجزائر نحو تفعيل آلية الدينار الرقمي.
يقول الدكتور محمد حيمران، مدير مخبر المالية العامة والأسواق المالية بجامعة جيجل، إنه في عالم ما بعد الجائحة، تحت وطأة التضخم وتراجع النمو وتزايد مستويات الديْن، وجدت الدول المتقدمة نفسها مرغمة على رفع أسعار الفائدة. وفي هذا السياق الدولي، فضّلت الجزائر مواصلة عملية إصلاح منظومتها المالية والمصرفية عبر مناقشة القانون النقدي والمصرفي الجديد، حيث كان بنك الجزائر يركّز في السابق على السيطرة على التضخم، من خلال تحقيق الاستقرار على مستوى الطلب الكلي، ولكن في نطاق الأهداف الحالية، تهدف السياسة المالية والنقدية إلى تحقيق الاستقرار المالي والتحكم في مخاطر الأسواق وتطویر وسائل الدفع، ويعتبر هذا القانون تشريعا محوريا ضمن منظومة متكاملة من القوانين الرامية إلى تعزيز مبادئ الشفافية والحكم الراشد.
القانون النقدي المصرفي تكملة لقانون الوقاية من تبييض الأموال
بالمقابل، أشار حيمران إلى أن مشروع القانون النقدي المصرفي، هو تكملة للقانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وفقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والذي يعتبر أداة لحماية الاقتصاد الوطني والمنظومة المالية والبنكية من خطر الاختراق من طرف المجرمين الماليين، والتجاوزات الخطيرة التي تحدث في تسيير المال العام والحد من مختلف مظاهر الفساد؛ فالتخوف من جريمة تبييض الأموال في ازدياد مستمر نتيجة التطور التكنولوجي وسرعة خدمات المؤسسات المالية، وصدور القانون سيعيد تأطير المال خارج القنوات الرسمية، خاصة وأن بعض الأرقام تحدد حجم السوق الموازية بـ90 مليار دولار.
تنظيم السوق الموازية..
في هذا الصدد، يؤكد المتحدث أن صدور قانون النقد والصرف الجديد سيساهم في تنظيم السوق الموازية للأموال. فالتبييض يتم دائما وينشط في السوق السوداء، والوقاية منها ستكون ممكنة بعد مراجعة الاختلالات الموجودة في قانون النقد والقرض؛ ذلك أن القانونين مرتبطان ببعضهما. فمثلا، القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما يشترط تبرير مصدر الأموال، أما أحد أشكال تبييض الأموال المعروفة، هو تحويل الأموال من العملة المحلية إلى العملة الأجنبية، وهذا الفعل غير القانوني سيتصدى له قانون النقد والصرف كون موضوعه هو مسايرة حركة رؤوس الأموال.
أما فيما يخص السوق الموازية للعملة الصعبة، فستشهد نصوصا تنظيمية سيصدرها محافظ بنك الجزائر لإنشاء مكاتب الصرف.
..تكملة قانون مكافحة المضاربة
إضافة لهذا، يضيف البروفيسور حيمران، فإن القانون النقدي والمصرفي جاء تكملة لقانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، الذي جاءت أحكامه لحماية الحقوق الاقتصادية للمستهلك الجزائري، كون وجود الطابع الاحتكاري في الممارسات التجارية والتدليس يستوجب تدخلا ردعيا لضمان الأمن والرقابة التجارية.
تحرير روح المبادرة المقاولاتية
من جهة أخرى، فإن قانون الاستثمار الجديد فتح الباب أمام المتعاملين الاقتصاديين بالداخل والخارج لتحرير روح المبادرة المقاولاتية، حيث تم حصر أكثر من 100 طلب استثمار أجنبي، كما أبدى أكثر من 1200 متعامل أجنبي نيتهم في دخول السوق الجزائرية، وتم تسجيل أكثر من 1694 مشروعا للاستثمار، بقيمة تتجاوز 845 مليار دينار جزائري (6.3 ملايير دولار) منذ دخول القانون الجديد حيز التطبيق، وأن القطاع الخاص يستحوذ على 85% من رأسمال الجزائري، وسيساهم في توفير 55 ألف وظيفة.
تنظيم العقار بأنواعه..
وبحسب حيمران، فقد تم اتخاذ إجراءات لتنظيم العقار الاقتصادي، من خلال استحداث وكالة خاصة بكل أنواعه (السياحي، الزراعي، الصناعي والحضري). مشيرا إلى أن مشروع قانون النقد والقرض الجديد جاء مواكبا لقانون الاستثمار الجديد والذي يتضمن آليات جديدة تسمح بالحد من السوق الموازية.