بدأت الجهود التنموية تحقق مكاسب كبرى على عدة أصعدة، خاصة بعد انتعاش قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية، وهذا ما يؤكد قوة المسار التنموي الذي تنتهجه الجزائر، في وقت ترشّح منظومتها الاقتصادية لأن تبلغ مستويات عالية من الأداء والتنافسية بفضل التخطيط المحكم والإرادة القوية مع وفرة الثروات والموارد البشرية.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وفايزة بلعريبي
إذن.. تماسك الدينار وارتباطه بمنحى تصاعدي من شأنه أن يكبح التضخم ويحسّن من القدرة الشرائية، وهذا ما يجعل المؤشرات الإيجابية مشجعة على ضخّ المزيد من الثروة والاستمرار في تعميم الرقمنة وإرساء الحوكمة في التسيير، ويمكن القول كذلك إن سلسلة من الدعائم دفعت بـ«الدينار” نحو استعادة قوته، بداية باستقرار ميزان المدفوعات وارتفاع احتياطي الصرفي بفعل ارتفاع ايرادات الصادرات خارج المحروقات، وإلى جانب الرفع من إنتاج الغاز بحكم أن الجزائر هي أول مورد للغاز في إفريقيا.
ويعكس التماسك القوي لـ«الدينار” الجهود المبذولة في الحياة الاقتصادية لاسيما الإصلاحات التشريعية والإدارية ومواكبة التطوّر التكنولوجي، خاصة الإصرار على استكمال رقمنة عدة قطاعات ومصالح إدارية بما فيها الضرائب والجمارك خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وهذا ما يسمح بتهيئة أرضية إرساء الاستثمارات المتنوعة المحلية والأجنبية القادرة على التنويع في صادرات الجزائر، والتواجد في أسواق أجنبية، وتعزيز الإيرادات من النقد الأجنبي. ما يعني أن “الدينار” سيواصل تحقيق المكاسب والتوجّه نحو الأعلى مدعوما بأداء اقتصادي مطرد.
الخبير المالي نبيل جمعة: المؤشّرات الاقتصادية الإيجابية أنعشت الدّينار الجزائري
تبرز المؤشرات الاقتصادية “الخضراء” في الجزائر، صعود وانتعاش أسعار الدينار الجزائري أمام الدولار الأمريكي، خلال الأشهر القليلة الماضية، ويعود ذلك إلى عوامل اقتصادية ساعدت على دعم الدينار، في ظل انعدام المديونية، تحسن النمو، وارتفاع احتياطي الصرف، وتسجيل ميزان مدفوعات إيجابي.. كل هذا بفضل وجود إرادة سياسية قوية،مصحوبة بتعديلات نصوص قانونية رافقت النهضة الاقتصادية التي باشرتها الجزائر خلال الثلاث سنوات الأخيرة، للحفاظ على السيادة الوطنية التي التزم بها الرئيس تبون، تخصّ الإصلاحات الكبرى للحوكمة المالية في الجزائر.
وأكّد الخبير المالي والمحلّل الاقتصادي، نبيل جمعة، أنّ ارتفاع سعر صرف الدينار بشكل مستمر أمام العملة الأمريكية “الدولار”، منذ أزيد من سنة، يعود لوجود مؤشرات اقتصادية خضراء في الجزائر، أولها عدم تسجيل مديونية، ما يجبر الهيئات المالية الدولية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، على عدم فرض التزامات مالية على الجزائر.
وفي الموضوع، يتوقّع الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، نبيل جمعة، أن يواصل سعر الدينار الجزائري ارتفاعه أمام الدولار خلال ما تبقى من سنة 2023، وذلك لوجود مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني مرتبطة “بارتفاع احتياطي الصرف والنمو الاقتصادي، وكذا ميزان المدفوعات الايجابي، وارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية”.
وأكّد الخبير المالي أنّ التّحسّن في مستوى صرف العملة الوطنية لدى البنوك الرسمية، وارتفاع قيمة الدينار بالنسبة لعملة الدولار خلال 10 أشهر الأخيرة، يعود إلى أربعة مراجع رئيسية تحدد ارتفاع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية، وتتمثل في نمو الاقتصاد، تصاعد وتراجع سعر برميل النفط، التنافسية الاقتصادية مع الدول الموجودة في حوض المتوسط والدول الإفريقية، بالإضافة إلى المؤشرات المالية منها ميزانية المدفوعات والديون.
“صفر ديون” في الحاضنة المتوسّطية
ويشرح نبيل جمعة أن “المؤشرات اليوم كلها خضراء فيما يخص الاقتصاد الوطني الجزائري من حيث التنافسية، مقارنة بالاقتصاديات الأخرى، ومن حيث أسعار النفط والغاز، حيث يبلغ سعر البرميل الواحد من النفط 80 دولارا، علما أنه كلما ارتفعت الأسعار زادت قيمة العملة الجزائرية، بينما يتعلق المؤشر الثالث بميزان المدفوعات التي تبلغ 65 مليار دولار، وتبلغ نسبة النمو 4.2 بالمائة، فيما سجلت كل هذه المؤشرات تحسنا هذا العام، ولذلك ارتفعت قيمة الدينار مقارنة بعملات أجنبية”.
وإضافة للمؤشرات الخضراء سالفة الذكر، شدّد المتحدث على وجود استثمارات معتبرة، بأكثر من 8 ملايير دولار، تتنوّع بين الأجنبية والمحلية، وميزان تجاري ايجابي، حيث يبلغ النمو الصناعي 14.5، بينما يصل النمو الفلاحي إلى 35 مليار دولار.
وأشار المختص في المالية إلى أنّه وبالرغم من وجود أزمة مالية عالمية تمر بها كل دول العالم، على غرار أمريكا التي تعاني من مديونية تصل إلى 32 ألف مليار دولار، وتغرق أوروبا في 120 مليار دولار كديون، إلا ألمانيا التي تسجل صفر دين – ورغم ذلك – يؤكّد المحلل الاقتصادي لم يخفضوا العملة بالرغم من انخفاض عملة الأورو بالنسبة للدولار الأمريكي.
وأضاف: “الجزائر البلد الوحيد في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لديها صفر مديونية إلى جانب ألمانيا، والتي تملك احتياطيا يقدر بـ 700 مليار دولار، لذلك لابد اليوم من أن تحسن قيمة الدينار حسب اتفاقية “بازل” المتعلقة بسلة العملات، مبرزا أنّ سعر صرف الدينار يرتفع بشكل مستمر أمام العملة الأمريكية الدولار منذ أزيد من سنة.
واعتبر المتحدث أن تعافي الدينار يصب في فائدة الاقتصاد الوطني والسيادة الوطنية، حيث نتجنب إملاءات الهيئات المالية والدخول في دوامة المديونية، مضيفا “بل إن انتعاش العملة الوطنية من شأنه أن يؤثر على تحسين القدرة الشرائية للمواطن”.
إصلاحات بنكية مستعجلة
وعاد جمعة ليشرح موقف الجزائر اليوم مقارنة مما حدث في السابق، حيث أكّد أن الحكومات السابقة منذ سنة 2006 إلى غاية سنة الصدمة النفطية التي وقعت سنة 2014، قامت بعملية تخفيض الدينار ما تسبّب في تراجع للقدرة الشرائية، مشيرا إلى الفترة المحددة بين سنتي 2006 إلى 2014، حيث كانت المؤشرات في المستوى الأخضر وإيجابية مع ارتفاع البترول ونمو الاقتصاد، ورغم ذلك تم تخفيض قيمة الدينار، لهذا علينا التعلم من التجارب السابقة.
في سياق ذي صلة، دعا نبيل جمعة إلى ضرورة التعجيل بمباشرة إصلاحات بنكية ومصرفية، خاصة ما يتعلق بالرقمنة ومواكبة التطورات الحاصلة في العالم، لمرافقة تعافي الدينار وعصرنة النظام المصرفي، مع التطورات المتسارعة التي تعرفها الأنظمة العالمية المصرفية في المجال التكنولوجي، قصد توفير المناخ الملائم للمتعاملين الاقتصاديين لاستخدام كل الأدوات المصرفية الحديثة، وهذا لمواجهة التحديات الراهنة.
نصوص قانونية ملائمة
وبعد أن أشاد جمعة بالمشاريع الاستثمارية الجديدة، شدّد على أنّ التعديلات القانونية التي مرت عبر البرلمان بغرفتيه، على غرار صدور قوانين الاستثمار، المحاسبة، النقدي والمصرفي وقانون الصفقات العمومية، كلها نصوص ملائمة مع النهوض بالاقتصاد للتقليل من عجز الاستثمارات الأجنبية خاصة.
وأكّد جمعة أن التعديلات التي قام بها رئيس الجمهورية في الجانب الاقتصادي، جاءت بفائدتها للاقتصاد الوطني، وكان لها دورها في تعافي العملة الوطنية، فقد التزم رئيس الجمهورية بالحفاظ على السيادة الوطنية التي تعني استقرار العملة الوطنية، داعيا إلى فتح مجال الاستثمار بشكل كبير.
وقال المتحدّث إنّ ارتفاع أسعار صرف الدينار الجزائري، يدخل ضمن الالتزامات 54 للرئيس عبد المجيد تبون فيما يتعلق بالإصلاحات الكبرى للحوكمة المالية في الجزائر.
لجنة الاستقرار المالي لمراقبة العملة الوطنية
من جهة أخرى، أبرز جمعة أنه وبموجب قانون النقدي والمصرفي، تمّ إنشاء لجنة الاستقرار المالي لدى البنك المركزي، تتولى مراقبة العملة الجزائرية، وتقييم المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي ودراسة الإجراءات التي يجب اتخاذها للتخفيف منها، وتضم 3 أعضاء من البنك المركزي و3 أعضاء من وزارة المالية، وهم محافظ البنك المركزي و2 مديرين عامين بالنيابة لدى البنك، إضافة إلى 3 إطارات من الوزارة منهم وزير المالية، في تركيبة بشرية تضم 6 أشخاص، حيث يتم تكليفها بالمراقبة، كما تسمح لبنك الجزائر بأداء مهامه المتمثلة في الحفاظ على الاستقرار المالي.
وخلص الخبير إلى التأكيد على أن الاستثمارات الأجنبية ستنصب خلال السنوات القادمة على الطاقات النظيفة، على غرار إنتاج الهيدروجين الأخضر وهو المستقبل الواعد، إذ لابد من استغلاله في غضون سنة 2030، مستشهدا بوجود 3000 مليار دولار معادن ثمينة في الصحراء الجزائرية، تحت الأرض لم تستغل بعد، وفق دراسة أمريكية سويسرية، لذلك لابد من جلب استثمارات أجنبية.
الدينار الجزائـري..أكثر العملات ارتفاعـا سنة 2023
ارتفاع قيمة الصادرات خارج المحروقات إلى 7 مليار دولار، وتحسن مؤشرات الميزان التجاري الذي حقّق 17 مليار دولار سنة 2022، بفضل السياسة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة، كانا وراء انتعاش الدينار الجزائري وارتفاع قيمته أمام الدولار الأمريكي. ارتفاع يأمل المواطن البسيط أن يستمر، ويرهنه الخبراء والملاحظون بضرورة المواصلة في الإصلاحات وضبط حركة التجارة الخارجية من أجل الحفاظ على وتيرة الانتعاش الاقتصادي التي تعرفها بلادنا، حتى لا يصبح التعافي الذي يعيشه الدينار الجزائري منذ تقريبا 10 أشهر حالة ظرفية.
تفاءل الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي، خلال اتصال أجرته معه “الشعب”، بالارتفاع الذي يعرفه الدينار الجزائري أمام الدولار الأمريكي منذ أزيد من سنة، مفسّرا ذلك بتحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي بما فيها التحكم في حركة التجارة الخارجية وضبط الواردات، والعمل على الرفع من قيمة الصادرات خاصة خارج المحروقات، ممّا سيمكّن من الحفاظ على القيمة الموجبة لميزان المدفوعات، مؤكّدا على ضرورة العمل من أجل اقتصاد قوي مهيكل، إذا ما أردنا الحفاظ على نفس وتيرة الارتفاع التي يعرفها الدينار الجزائري، وحمايته من التهاوي أمام الدولار الأمريكي والأورو. كما أكد على الدور الذي يلعبه ضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطن من أجل صد التضخم الذي يجتاح أغلب بلدان العالم، جراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات بما فيها أسعار المواد الغذائية، ممّا أثّر على سوق العملة وأفقدها توازنها وغير من معطياتها.
اقتصاد مهيكل.. ضمان استمرار الانتعاش
في هذا الصدد، ومن خلال تتبّع حركة العملات داخل أسواق العملة، اعتبر خرشي الدينار الجزائري ضمن أكثر العملات ارتفاعا خلال سنة 2023، ما يضعه في صدارة العملات الأكثر ارتفاعا في العالم، في حين تشهد عملات أخرى في العديد من بلدان العالم تراجعا غير مسبوق بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية بها، وانخفاض القدرة الشرائية لمواطنيها ليكون من بين نتائج هذه المعطيات الاقتصادية وأخرى، تراجع الدولار الأمريكي أمام الدينار الجزائري في البورصة العالمية ليسجل 135.44 دج، حيث كشفت المؤشرات البيانية والأرقام ارتفاعا مهما في قيمة الدينار الجزائري أمام الدولار الأمريكي، حسب معدل الصرف الشهري في ظرف سنة.
وأوضح إسحاق خرشي، أنّ سعر صرف الدينار الذي يرتفع بشكل مستمر أمام العملة الأمريكية يعود إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية، حيث أرجع العوامل الداخلية إلى تحسن الصادرات الكلية للجزائر، معتبرا أنه كلما ارتفعت صادرات دولة، ارتفعت قيمة عملتها.
وعن ارتفاع استمرار تحسن سعر صرف الدينار الجزائري، فيتوقع خرشي أن يواصل هذا الأخير تعافيه في ظل الارتفاع المرتقب للصادرات خارج المحروقات التي يرى خرشي أنها قد حقّقت أرقاما تبعث على التفاؤل، حيث من الممكن أن تصل إلى 13 مليار دولار نهاية 2023.
في نفس السياق، يتوقع الخبير الاقتصادي أن يصبح الاقتصاد الجزائري مهيكلا بشكل أقوى خلال المرحلة المقبلة، مشدّدا على ضرورة الرفع من سعر صرف العملة المحلية، بشكل يسمح لها بالتصدي إلى الأزمات المحتملة. من جهة أخرى، حقّق الميزان التجاري 17 مليار دولار سنة 2022 إضافة إلى احتياطي الصرف الذي بلغ 64 مليار من نفس السنة. كما أشاد خرشي بتدخل بنك الجزائر لرفع قيمة الدينار أمام الدولار الأمريكي، من أجل التحكم من مستوى التضخم وضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطن.
أسعار النّفط في السّوق الدولية.. عامل مهم
نفس الرؤية يتقاسمها الخبير القضائي في المحاسبة والشؤون الاقتصادية، البروفيسور أحمد عجيلة، فيما يتعلق بانتعاش الدينار الجزائري مقارنة بالعملات الأجنبية، على اعتبار إستراتيجية البنوك للبلدان ترتكز على السيولة، حيث أرجع هذا الانتعاش إلى عدة مبررات ومنطلقات كنمو الاقتصاد الوطني من خلال التطور الاقتصادي، ومدى ارتباطه بالعملات الأجنبية تحديدا الدولار والأورو، وبمدى ارتباطه باقتصاديات البلدان الأخرى المنافسة والاستراتيجيات التي تعتمدها، إضافة إلى الدور الذي تلعبه أسعار النفط في السوق الدولية وما تفرضه من معطيات على سوق العملة، وعلى التجارة الدولية، خاصة ما تعلق بميزان المدفوعات الذي يتجه نحو الارتفاع الموجب، كلّما ترجحت الكفة لصالح الصادرات على حساب الواردات.
وأشار المتحدّث إلى بروز معطيات وملامح عالم جديد متعدّد الأقطاب يبحث عن التحرّر من إلزامية التعامل بالدولار الأمريكي، ولجوء بعض الدول إلى استعمال العملات الأجنبية، أدّى إلى تقليص الطلب على العملة الأمريكية مؤخرا، ممّا تسبّب في انخفاض سعرها بشكل ملحوظ عالميا، وهو كذلك من بين الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الدينار الجزائري أمام الدولار الأمريكي. كما أكّد البروفيسور عجيلة على أنّ الأرقام المتداولة في التعاملات البنكية الرسمية الحالية تعد تعافيا تاريخيا للدينار الجزائري أمام العملات الرّئيسية للمرة الأولى منذ عقد كامل.
الخبـير محمد عشير: الصادرات.. رافعـة متينـة تعـزّز قيمـة “الدينــار”
وقال الخبير الاقتصادي محمد عشير، إن الدينار الجزائري يوجد في الرواق الجيد، وأنه مرشّح ليبلغ مستويات أفضل في سعر صرفه أمام عملات أجنبية بفضل تسجيل العديد من المؤشرات الإيجابية واستمرار تسجيلها على مدى أطول، في ضوء الإصلاحات الجارية والاستثمارات المحلية والأجنبية التي مازالت الجزائر تستقطبها. ويعتقد أن قيمة الدينار الجزائري تتجه نحو تحقيق المزيد من الارتفاع، وكذا الصمود في وجه أي صدمات خارجية مفاجئة، خاصة في ظل دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأنها تعدّ ورقة رابحة لضخ العملة الصعبة وتقوية الاحتياطي من العملة الأجنبية، ومن شأن ذلك أن يؤثر بشكل إيجابي في تحقيق المزيد من الانتعاش للعملة الوطنية.
اعتبر محمد عشير، أن انتعاش الدينار بعد عدة سنوات من التدهور، مرتبط بسلسلة من العوامل الإيجابية المشجعة، من بينها تسجيل احتياطي الصرف الوطني في حدود 65 مليار دولار، وعلى خلفية أن سعر صرف الدينار الجزائري يرتكز كذلك على عدة أساسيات أثرت بالإيجاب على قيمته، بل ودفعت به إلى مستوى أحسن بلغه في الفترة الزمنية الأخيرة، وهذا ما يعزّز الثقة في الاقتصاد الوطني.
تعدّد الآثار الإيجابية للدينار
وأكد الخبير الاقتصادي عشير أن تسجيل ارتفاع قيمة الدينار أمام سلة من العملات من بينها عملة الدولار، من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض نسبي في أسعار المواد المستوردة وطرحها بأسعار أقل في السوق الوطنية، وهذا ما سيبث الارتياح وسط الجبهة الاجتماعية، لأنه سيسمح بتحسين قدرتها الشرائية، وحتى المتعاملين الاقتصاديين ممن يستوردون المواد نصف المصنعة والتجهيزات ستنخفض بذلك نفقاتهم ويرتفع رقم أعمالهم.
ومن بين عوامل انتعاش قيمة الدينار، ذكر الخبير ارتفاع أسعار البترول، بعد أن تجاوزت مستوى 85 دولار للبرميل، إلى جانب استقرار الميزان التجاري عند مستوى إيجابي، وهذا ما أثر على سعر الصرف بالإضافة إلى ارتفاع الصادرات خارج قطاع المحروقات، وما يوفره من عملة أجنبية ويؤدي إلى استقرار الدينار والرفع من قيمته، وكذلك يوفر العملة الصعبة.
وقدّم الخبير عشير شرحا دقيقا ومفصلا في هذا المقام، وأوضح أنه كلما سجّل تحسن على صعيد العوامل السابقة، فإن بنك الجزائر يتدخل ويرفع من قيمة الدينار مقارنة بالعملات الأجنبية.
عودة الدينار بقوة من شأنه أن يخفض من التضخم، لذا فإن بنك الجزائر – حسب تأكيد الخبير – يلجأ إلى رفع سعر صرف الدينار حتى لا يسجل تضخما بفعل الاستيراد، وليمنع بنك الجزائر الارتفاع في نسبة التضخم. وقال الخبير إن الآثار الإيجابية لانتعاش قيمة الدينار متعدّدة، من بينها الرفع من القدرة الشرائية، وعلى التجارة الخارجية؛ لأن تحسن قيمة الدينار تخفض أسعار الواردات.
شبابيك الصرف تحافظ على قيمة العملة الوطنية
وتطرّق الدكتور عشير إلى توجه الدينار الجزائري نحو تحقيق كثير من الارتفاع في وجه أي صدمات خارجية مفاجئة، خاصة في ظلّ دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأنها تعدّ رافعة حقيقية لضخّ العملة الصعبة وتقوية الاحتياطي من العملة الأجنبية، ومن شأن ذلك أن يؤثر بشكل إيجابي في تحقيق المزيد من الانتعاش لقيمة العملة الوطنية.
وفي ردّه على الرهانات المرفوعة حول قانون الصرف الجديد، تحدث عن التدابير التي ستساهم في تحسين مناخ الاستثمار، في ظل وجود بنوك الاستثمار وقوانين حول الصيرفة الإسلامية، كما يرتقب ظهور شبابيك الصرف للعملة، وإذا نجح في تنظيم نظام الصرف من خلال النصوص التطبيقية، سيتمّ التقليص من حجم السوق الموازية، ليخلص الخبير إلى القول إن الدينار الجزائري مرشّح إلى تحقيق المزيد من الانتعاش بفضل كل هذه العوامل.
ويتوقّع عشير، أن الدينار بات في مأمن في ظل الإصلاحات الاقتصادية والاستمرار في الرفع من حجم الصادرات خارج المحروقات، والحرص على تنويعها، كما يتوقّع أن يستمر في تحقيق ارتفاعات أخرى هامة.
الخبير عبد القادر سليماني: آليات رقابية لحماية “الدينار “ من تقلبات سلة العملات الصعبة
حقّق الدينار الجزائري خلال العشرة أشهر الأخيرة، حسب المؤشرات الاقتصادية المصرّح بها من طرف المديرية العامة للتقدير والسياسيات بوزارة المالية، ارتفاعا بقيمة 10.3 دج، أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغ معدل الصرف الشهري للدينار، موازاة مع العملة الأمريكية شهر افريل الماضي، 135.44 دج مقابل 145.8 دج /دولار أمريكي، نهاية جوان الفارط. ويرجع الخبراء والملاحظون أسباب استمرار ارتفاع قيمة الدينار الجزائري أمام الدولار الأمريكي إلى عدة أسباب داخلية وخارجية، أهمها الانتعاش الذي تعرفه الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، ما سيرفع من توقعات تعافي الاقتصاد الجزائري خلال المرحلة القادمة ويجعل الدينار الجزائري في منأى عن تقلبات أسعار العملة الصعبة.
أرجع الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني تعافي الدينار الجزائري وارتفاع أسعار صرفه مقارنة بالعملة الصعبة كالدولار الأمريكي والأورو، إلى الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه البلاد منذ ثلاث سنوات، والمداخيل القياسية التي حقنتها الصادرات الجزائرية، سواء ما تعلّق بالمحروقات، حيث عرفت أسعار النفط ارتفاعا لا يستهان به مقابل طلب متزايد على الغاز الجزائري الذي أصبح موردا طاقويا لجميع أوروبا، سمح بضخّ ما يزيد عن 55 مليار دولار سنة 2022، لصالح الخزينة العمومية، 7 مليار دولار منها صادرات خارج المحروقات، مرشحة لبلوغ 13 مليار دولار نهاية 2023، ما يسمح بانتعاش معدلات النمو للاقتصاد الكلي.
أرقام موجبة ومساحة آمنة لـ”الدينار”
وفي هذا الصدد، يرى سليماني أن الصادرات خارج المحروقات، تعتبر من الأسباب المباشرة لتعافي العملات وتقويتها مقارنة بسلة العملات الأجنبية، ما يؤكد حركية في الإنتاج المحلي ونسب إدماج قياسية، حيث ذكر المتحدث – مستندا إلى الأرقام المعلن عنها من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار- تسجيل ما يزيد عن 3 آلاف مشروع مسجل لدى ذات الوكالة. تقابلها زيادة في معدلات الاستهلاك وزيادة في عروض العمل التي تمّ توفيرها بفضل السياسة الاجتماعية التي اعتمدتها الدولة الجزائرية، ما أدى إلى رفع الأجور وزيادة الاستهلاك المحلي.
من جهة أخرى، تتوفّر الجزائر على احتياطي من العملات الأجنبية يفوق 64 مليار دولار وتحرّر كلي من الديون الخارجية وميزان تجاري موجب بلغ 18 مليار دولار، يفسرها المتحدث كنتيجة متوقعة لسياسة تشجيع وضبط الصادرات التي انتهجتها الدولة الجزائرية، مدعومة بآليتين قانونيتين تمّ استحداثهما مؤخرا، متمثلتين في المجلس الاستشاري للتصدير والمجلس الأعلى لضبط الواردات، مكونين من إطارات سامية وكوادر عليا في مؤسسات حسّاسة ذات صلة بعمليتي التصدير والاستيراد وعلى اطلاع شامل باحتياجات وأولويات السوق المحلية، ما يمكّن من ضبط حركة التجارة الخارجية وكبح النزيف المالي الذي يعتبر أحد الأسباب التي تكمن وراء تدهور العملة المحلية.
صلاحيات واسعة لمحافظ البنك المركزي
وركّز المتحدّث على سلسلة الإصلاحات التي باشرها البنك الجزائري من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن الجزائري من خلال دعم سعر الدينار الجزائري مقارنة بالدولار الأمريكي والأورو، للتحكّم في التضخم الذي بقي في حدود 7% ببلادنا، في حين تجاوز قيمة مكونة من رقمين في البلدان الأوربية وغيرها أين تجاوز 11 و12%. إضافة إلى باقة الإصلاحات الهيكلية والتشريعية التي صدرت تباعا في الجريدة الرسمية على غرار قانون الاستثمار الجديد، قانون الصفقات العمومية، قانون النقد والصرف الذي صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية، حيث أعطى صلاحيات واسعة للبنك المركزي، تمكّنه من التحكّم في السياسات النقدية والمصرفية، إضافة إلى تدخله في الحفاظ على قدرة وتنافسية العملة الوطنية في مواجهة سلة العملات الأجنبية، كما مكّن تنويع الشركاء الاقتصاديين للجزائر من منحها مساحة مالية آمنة جعلتها في منأى عن تقلبات أسعار الصرف وأسعار السلع والخدمات في العالم التي تأثرت كثيرا بفعل ظاهرة التضخم التي تجتاح العالم حاليا، إضافة إلى التحكم في سلاسل التوريد والإمداد.
الدفع الالكتروني والرقمنة لتأمين المنظومة المصرفية
وأضاف سليماني، أن قانون النقد والصرف الجديد، تمّ تصميمه بشكل يرسّخ لاقتصاد قوي ويعطي مساحة أوسع للتنافسية بالنسبة للاقتصاد الجزائري وفق الشفافية والدقة التي شدّد رئيس الجمهورية في كل مناسبة على ضرورة تجسيدها من أجل بيانات أكثر دقة للاقتصاد الوطني، خاصة فيما يتعلّق بالعقار والقطاع المصرفي. كما أعطى قانون النقد والصرف صلاحيات أوسع لمحافظ بنك الجزائر وهيئته فيما يتعلق برسم سياسات نقدية ومصرفية تشجع الاستثمار وحماية المعاملات التجارية. ويركز قانون النقد والصرف الجديد – تابع المتحدث – على تطوير وسائل الدفع من خلال إنشاء لجنة وطنية مسؤولة عن وضع مشروع الإستراتيجية الوطنية لتطوير وسائل الدفع ومراقبة تنفيذها، بعد اعتمادها من طرف السلطات العمومية بهدف تعزيز التعاملات المصرفية والشمول المالي، وقصد تعزيز آليات المراقبة والمتابعة، استحدث القانون لجانا جديدة لاسيما لجنة الاستقرار المالي المكلفة بالمراقبة الاحترازية الكلية وإدارة الأزمات التي تقوم بإعداد تقرير سنوي حول أنشطتها، ليرفع بعدها إلى رئاسة الجمهورية.
الصيرفة الإسلامية في مواجهة السوق الموازية
من جهة أخرى، رسّخ القانون الجديد نوعا جديدا من الصيرفة مكّن من استقطاب مبالغ مالية معتبرة كانت متداولة خارج البنوك، ما أدى إلى تدهور قيمة الدينار الجزائري، وذلك بإنشاء إطار قانوني لممارسة النشاط المتعلق بالصيرفة الإسلامية الذي يكرّس على وجه الخصوص إمكانية اعتماد بنوك ومؤسسات مالية تمارس عمليات متعلقة بالصيرفة الإسلامية حصرا. كما يدرج القانون إمكانية إطلاق العملة الرقمية للبنك المركزي أو ما يسمى بـ«الدينار الرقمي الجزائري” الذي يطوره بنك الجزائر ويصدره ويسيره ويراقبه.
وفي شقّ متصل، أفاد الخبير الاقتصادي أن السلطات العمومية تعمل بصرامة من أجل استقطاب أموال بالعملة الصعبة متداولة بالسوق الموازية، عن طريق عملية رقمنة أوسع وشمول مالي من خلال توسيع شبابيك الصيرفة الإسلامية على مستوى جميع البنوك العمومية والخاصة. كما تمّ – لأول مرة في التاريخ المصرفي الجزائري يقول سليماني – استحداث منصب الوسيط المالي من أجل بعث وتشجيع التجارة الالكترونية ومجالات استعمال اقتصاد المعرفة وتكنولوجيات الاتصال من أجل تعميم استعمال التجارة الرقمية التي استفادت هي الأخرى من جملة قوانين وتنظيمات تؤطرها وتحكمها.