أكّدت فاطمة بوقري باحثة أنثروبولوجيا وأستاذة الأدب الشعبي بجامعة الجزائر 02 أبو القاسم سعد الله، وطالبة دكتوراه بجامعة مولود معمريز بتيزي وزو، أنّ اهتمامها بالتراث الشعبي الجزائري وبتفاصيله، لاسيما بالدراسات الأنثروبولوجية وبعلم الأساطير، أكسبها شغفا بكلّ ما هو قديم وبدائي من أساطير وحكايات عجيبة وقصص شعبية.
وتحدثت الباحثة في هذا الحوار عن المظاهر الطبيعية في فن السرد الشعبي، كما تطرقت إلى تجربتها الميدانية في تفاصيل بعض الحكايات الخرافية، كاشفة بأنها تشتغل حاليا على دراسة الأسطورة الجزائرية ـ الإفريقية، لاسيما مقارنتها بأساطير عالمية.
الشعب: كيف ترى الدكتورة فاطمة بوقري فكرة الاعتماد على المظاهر الطبيعية في فن السرد القصصي الشعبي؟
الباحثة فاطمة بوقري: تمثّل علاقة البشر بالطبيعة موضوعا أساسيا من موضوعات الأنثروبولوجيا، ويظل الإنسان في مختلف الحقب ينظر إلى الطبيعة من خلال ذاته، وقد عبّر عن ذلك من خلال فنون التعبير المختلفة من بينها القصص الشعبي، وقد نُسجت حول مظاهر الطبيعة في الجزائر العديد من الأساطير والحكايات الخرافية.
ما المكانة التي تحتلها المظاهر الطبيعية في الأدب الشعبي؟
للمظاهر الطبيعية حضور بارز في الأدب الشعبي، يتفاعل فيها الإنسان مع المحيط الطبيعي الذي يعيش فيه انطلاقا من التصورات الثقافية لهذا المحيط، وهي تصورات متوارثة مندرجة في التنشئة الاجتماعية، قد تتدعم هذه التصورات بمعارف نفعية تربط الفرد بمحيطه، وهي معارف شعبية متوارثة تساعد على العيش في المحيط الطبيعي، وعندما يكبر الفرد تتدخل المعارف المدرسية في تشكيل هذه التصورات أو خلق تصور موضوعي مواز للتصور الموروث.
ما رأيك في من يؤيّد الفكرة التي تقول “بأنّ التراث هو الظهير اللغوي والثقافي في كلّ العصور”؟
فعلا، فالتراث يتشكل من خلال اللغة وهو بعد ثقافي يشكّل الخلفية التي يتصور من خلالها المحيط الطبيعي الذي يعيش فيه الفرد، ولقد أجمع الباحثون أن التراث الثقافي يعد أحد جسور التواصل بين الأمم والشعوب، التي ﻻ يمكن تقدير ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ الحقيقية إﻻ بتوفير ﻗدر ممكن من المعلومات التي تعبّر ﻋن أصلها وتاريخها وبنيتها التقليدية، وجمع كل المفاهيم التي تحدّد نوﻋﻴﺘﻬﺎ وﻗﻴﻤﺘﻬﺎ الداخلية والدولية.
من خلال تجربتك الميدانية في مجال الدراسات وعلم الأساطير..ما هو تعريفك للأساطير؟
أقول عادة إن الأساطير عبارة عن قصص وظيفتها دعم نظام القيم في المجتمع الخاص بها، وهنا سيقال لي أن هناك أساطير كونية وأساطير سببية، أو هذا أو ذاك، وهذا صحيح لكنه ليس جوهريا، الجوهري هو أن الأساطير تثمن ما يفكر فيه الشعب وما يعتقد ويعتبر أنه يستحق النقل، ونلاحظ أن الأساطير عادة تُروى في وقت معين، غالبا أثناء طقوس العبور، وفي حالات أخرى هناك مواسم نستطيع فيها رواية الأساطير، ومواسم أخرى لا نستطيع فيها ذلك، وحين يبدأ أحد في رواية أسطورة في غير موسمها، فإن الجميع يتحولون عنه لأن ما يقوم به غير ذي فائدة، ولا يتناسب مع ما يفكر به المجتمع حول نفسه.
حدّثينا عن تجربتك في جمع معطيات حول الأساطير الشعبية، وماهي الصعوبات التي واجهتك أثناء ذلك؟
أولا يجب أن أعترف بأنها كانت تجربة جميلة ومتعبة نوعا ما، بالنسبة للصعوبات فكلنا نعرف صعوبات العمل الميداني، خاصة في التعامل مع الرواة الكبار في السن، حيث عندما كنا نتقصى منهم حيثيات بعض القصص الشعبية المتداولة، التي مازالت لغاية اليوم تتناقلها الأجيال، كنا نعتمد على المتشابه من السرد سواء في اسم المنطقة وفي تحديد الفصل والشهر الذي حدثت فيه تلك القصة، ونأخذ بما ترسب من الربط بين إدلاء كل عينة، لاسيما الوقوف على محيط مكان الأسطورة، وطبعا كل عمل يتم تسجيله وتوثيقه، ليكون في الأخير على هيئة شريط وثائقي بالصوت والصورة.
هل لك أن تقدّمي لنا أمثلة عن الأساطير أو الحكايات الخرافية التي كانت ضمن مجال دراستك؟
على سبيل المثال هناك أسطورة حول جبلي “قريون ونيف النسر” بعين مليلة بأم البواقي، وسرد يتمثل في قصص بطولي خارق نسج حول جبل “سرج الغول” بمنطقة سطيف.
وما هو جديد الباحثة فاطمة بوقري؟
حاليا أشتغل في مجال الدراسات الأنثروبولوجية والأساطير، ساعية من خلال ذلك إلى دراسة الأسطورة الجزائرية / الإفريقية من خلال جمعها وتصنيفها وكذا تحليلها وفق المنهج الأنثروبولوجي مقارنة إيّاها بأساطير عالمية، ومحاولة في خضم ذلك كلّه تبيان سبب أسطرة الإنسان لعالمه ولنفسه، إذ إنّه حتى مع ظهور العلم لم يتخل الإنسان عن فكره الأسطوري لأنّه يشكل حسبه تاريخه الروحي وهويته الإنسانية.