عرف قطاع التعليم العالي والبحث العلمي مراحل مختلفة تخللتها سلسلة إصلاحات للتكيّف مع احتياجات البيئة الاجتماعية والاقتصادية ومواكبة التطورات المستمرة في مجال العلوم والتكنولوجيا.
تسعى الجامعة الجزائرية إلى تنويع عروض التكوين التي تقدمها، ولم تتوقف عند ذلك بل عملت على إعادة تحديد الإقليم لكل مؤسسة تعليم، من خلال استحداث وتطوير أقطاب امتياز، وهو المشروع الذي ينتظر أن يحظى بالمصادقة من طرف الحكومة الشهر الداخل، خاصة وأنه يعنى بتخصصات عديدة بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية، وبما يتماشى والتطور العالمي العلمي والتكنولوجي و يلبي حاجيات الاقتصاد الوطني.
يواصل قطاع التعليم العالي مراجعة خارطة التكوين الوطنية تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية، في إطار استراتيجية عصرنة الجامعة التي شرعت فيها الوزارة منذ بداية الدخول الجامعي الجاري من خلال مشاريع إصلاحية، فكان إدراج عروض تكوين جديدة، بحيث يتكيّف توزيع نقاط التكوين مع متطلبات البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة.
مراجعة خارطة التّكوين الوطنية
بلغ عدد عروض التكوين الوطنية التي تقدمها مختلف المؤسسات الجامعية 9065 عرض تكويني، ليتعزز الدخول الجامعي هذه السنة بتكوينات جديدة استجابة لمخرجات برنامج الحكومة، وباللغة الانجليزية، منها تحلية مياه البحر والمياه المالحة، معالجة المياه المستعملة وإعادة استعمالها، الهيدروجين الأخضر، الإعلام الآلي الكمي ضمن شبكات موضوعاتية، علوم وتكنولوجيا النانو، الأنظمة المستقلة، من خلال 14 نقطة جديدة على مستوى 14 مدينة جامعية في شكل ملحقات، والتكوين عن بعد في 12 جامعة نموذجية بتعداد 1184 مسجل، شهادة جامعية مزدوجة على مستوى 6 جامعات كمرحلة أولى بتعداد 246 مسجل.
ولمرافقة هذه التكوينات تمّ استحداث أقطاب امتياز جامعية تجمع بين عدة جامعات أو ومراكز بحث ومدارس عليا، وهو المشروع الذي باشرت فيه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي شهر نوفمبر المنصرم، من خلال استقبال الاقتراحات وتقييمها ليعلن فيما بعد عن اعتماد سبع أقطاب تقود قاطرة التحول التكنولوجي للجزائر من أجل تلبية الحاجيات الوطنية، وذلك بإعادة الاعتبار للجامعات الجزائرية.
وتتمثّل أقطاب الامتياز الجامعية المفعّلة هذه السنة ضمن شبكة موضوعاتية – منها من كان فعلا يعمل واستقبل الطلبة ومن ذلك الطلبة الجدد الحاصلون على شهادة البكالوريا- في المدرسة الوطنية العليا للأنظمة الذاتية بالجزائر العاصمة، المدرسة الوطنية العليا لعلوم النانو وتقنيات النانو، المدرسة الوطنية العليا المتعددة بالجزائر وقسنطينة وهران، المدرسة الوطنية العليا للتكنولوجيات المتقدمة المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي بالجزائر وسيدي بلعباس، المدرسة الوطنية العليا في علوم وتقنيات تكنولوجيات المعلومات الرقمية ببجاية والجزائر، المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي، المدرسة الوطنية العليا للرياضيات.
تكييف التّكوين حسب البيئة المحيطة
وتستهدف وزارة التعليم العالي من إنشاء هذه الأقطاب، تمكين المؤسسات المجمعة من تبادل الموارد المالية، البشرية والمادية، تحسين عرض التعليم المحلي، وتكييف التكوين مع الطلب والاحتياجات المحلية، إضافة إلى ترسيخ ثقافة التكوين والبحث حسب البيئة المحيطة زيادة فرص وحظوظ الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا في التوجيه، ناهيك عن تفعيل الجسور بين مختلف الفروع والتّخصّصات، وتفعيل مساهمة الشركاء الاجتماعيين في التعليم العالي.
وكانت الوزارة حدّدت معايير إنشاء هذه الأقطاب، والتي تتعلق بإمكانية مؤسستين جامعتين أو أكثر الترشح للاندماج إذا كانت لديهم القدرة على تشكيل كتلة وطنية للبحث ولعب دور محفز للتغيير والتنمية في المنطقة، كما ينبغي لقطب الامتياز أن تكون له القدرة على إثراء تعددية التخصصات والتكامل في التدريس، والبحث في ميادين علوم الحياة والعلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية والاجتماعية.
في المقابل يجب أن تملك المؤسسات المجمعة إمكانيات تعليمية وبحثية تغطي جميع المهن ذات الصلبة بالمنطقة، ووجود شركات في المنطقة تهتم بالبحث والتطوير وقادرة على لعب دور في التجمع الحاصل مستقبلا.
ويعني كل ذلك إعادة تنظيم مؤسسات التكوين والبحث وشعب التكوين، مع وضع تكوينات ملائمة حسب الأقاليم، وهذا من خلال إضفاء الطابع الرسمي على الشراكات مع القطاع الاجتماعي والاقتصادي للإقليم والجماعات المحلية، وإمكانية إدراج المؤسسات الخاصة للتكوين العالي في الخارطة الجامعية وتشجيع إحداث الأقطاب التكنولوجية.
ويرافق كل ذلك سياسة علمية تقوم على تشجيع البحث والابتكار، من خلال تفعيل البحث العلمي والاستفادة منه ميدانيا، فضلا عن تحفيز الباحثين وطلبة الدكتوراه للمشاركة في الإنتاج المهني، وتحديد أولويات البحث مع كيفية تشجيع مشاركة الكفاءات المقيمة بالخارج، والبحث عن مصادر تمويل أخرى لمخابر البحث، ناهيك عن فتح ملف إدراج العلوم الإنسانية والاجتماعية في المشاريع المتعددة الاختصاصات للبحث، وتشجيع البحث بالشراكة بين المؤسسات ومخابر البحث والحركية الوطنية بين الجامعة والقطاع الاقتصادي والاجتماعي.
تلبية الطّلب الوطني بتخريج كفاءات مؤهّلة
وتسعى الجامعة الجزائرية للتحكم في عالم التكنولوجيا الدقيقة والمتطورة المتكيّفة مع المستجدات بهدف تحقيق الاكتفاء التكنولوجي، فمثلا وضعت لنفسها هدف تخريج 50 ألف مهندس في الإعلام الآلي مستقبلا، لهذا فقد عملت على توجيه 22106 خلال السنة الجامعية 2022 – 2023، وخلال السنة الجارية تمّ توجيه 28810 طالب من حاملي شهادة البكالوريا الموجهين نحو ميدان الرياضيات والإعلام الآلي، ما سيحقّق الهدف المنشود المتمثل في رفع تعداد المتخرجين خلال الثلاث السنوات المقبلة إلى 50 ألف مهندس في هذا التخصص، ما يعني أنّ الجامعة الجزائر أصبحت تخطّط وتستشرف احتياجات البلاد من خلال التنويع في عروض تكويناتها المتخصصة وتكوين إطارات المستقبل، ما سيسمح بتقديم مورد بشري مؤهلا متحكم في التكنولوجيات الحديثة والمتطورة وقادر أن يقود البلاد إلى برّ الأمان، ناهيك عن محاولة استرجاع الجامعة الجزائرية لمكانتها بين جامعات العالم، واستعادة دورها لتكون قاطرة أي تنمية بالجزائر.