ينظر إليها باهتمام كبير، كونها تعتبر من الحلول الناجعة القادرة على إرساء التنوع الاقتصادي وتزويد السوق المحلية بكثير من المواد التي تحتاجها الصناعات المختلفة، إلى جانب مزايا وقف استيرادها بالعملة الصعبة.
بما أن الجزائر من أكبر البلدان المنتجة للغاز والنفط، فإنها تتوفر على المادة الأولية لإقامة قاعدة صناعية كبيرة للمواد البتروكيماوية، وفعلا، سطرت برنامجا ضخما وانطلقت في تجسيده مع شركاء أجانب يتمتعون بالخبرة ويتحكمون في التكنولوجيا، ومن خلال استثمارات من المقرّر أن تدخل حيز السريان في القريب العاجل، ستقفز بالجزائر إلى مصاف الدول الرائدة في إنتاج المواد البتروكيماوية، على خلفية رصد ما لا يقل عن 11 مليار دولار خلال البرنامج الخماسي الممتد من 2022 إلى غاية 2026. ولا يخفى أن التطلّع القائم يكمن في بناء نسيج بتروكيماوي جزائري قوي ومنافس.
إن بداية التحدي ستكون من دون شكّ من بوابة كبح الواردات وتوفير طلب السوق المحلية، لأن عملية تطوير المواد البتروكيماوية سيدعم الأسواق الخارجية نظرا للقيمة الكبيرة لهذا النوع من الصناعات عبر الأسواق العالمية، بالنظر إلى حاجة عديد المصنعين لها مثل الصناعة الميكانيكية والصيدلانية والصيد البحري والفلاحة والبلاستيك والمطاط، كما أن التعويل القائم على تطوير هذه الصناعة من أجل أن يلبي احتياجات الصناعات النهائية على غرار التعبئة والتغليف والبناء وكذا السيارات والإلكترونيات والمنسوجات، لهذا، فإن التركيز على بناء صناعة بتروكيماوية من شأنه أن يؤثر إيجابا على قطاعات مختلفة، كون توفيرها في الجزائر من شأنه أن يساهم في التقليص من كلفتها، لأن المستوردة ستسوق بأسعار أعلى. علما أن الجزائر تعمل جاهدة على تطوير هذا النوع من الصناعة، من أجل الدفع بعجلة التصدير وهذا سيفضي – من دون شك – إلى تحقيق التنويع الاقتصادي.
تعزيز الابتكار وتطوير المهارات
وينظر لهذه الصناعة باهتمام كبير بالنظر إلى تمتّع شركات إنتاجها بسقف عال من المرونة، ومن الطبيعي أن تعكف العديد من الدول وعلى رأسها أمريكا على ضخّ كثير من رؤوس الأموال لتأسيس البنية التحتية وتعزيز الابتكار وتطوير المهارات البشرية، وفي الوقت الحالي، تراهن الجزائر على تطوير هذا النوع من الصناعات، في ظل توفر المادة الخام ومن أجل تعزيز المحروقات، وفي إطار خطة السير نحو تلبية الطلب الوطني وفتح مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة، مع تشجيع إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة في عدة نشاطات تستعمل المواد البتروكيماوية.
ومن بين سلسلة المشاريع التي يعكف على التحضير لإطلاقها وستعزز دور الجزائر المقبل في سوق هذه المادة، نذكر الشروع في إنجاز مجمع انتاج ميثيل ثالثي بوتيل الاثير المستعمل كمادة مضافة لتصنيع البنزين الخالي من الرصاص، ويجري ذلك في مصافي مجمع سونطراك، علما أن الطاقة الإنتاجية تقدر بنحو 200 ألف طن سنويا، وبالتالي التوقف عن استيرادها بشكل نهائي.
وبالإضافة إلى كل ذلك، ينبغي تسليط الضوء على الانتهاء من الدراسات الهندسية لمشروع مهم يتمثل في فصل الهدروجين من البروتان وإنتاج البوليبروبلين بأرزيو بطاقة إنتاجية تناهز 550 ألف طن سنويا، وجدير بالإشارة، أن الشروع في إنجازه انطلق في النصف الأول من عام 2023، كما انتهت الدراسية الهندسية وانطلق في عملية اختيار الشركة المنجزة من طرف مجمع سونطراك، من أجل إنشاء مركب إنتاج ألكيل بنزين الخطي، المستخدمة في صناعة مواد التنظيف بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ألف طن سنويا. علما أنه تمّ الحصول على شهادة الاعتماد ومطابقة المعايير الدولية للكفاءة والجودة بالنسبة لأنشطة مركب CPtz المتعلقة بالاختبارات والتحليلات الفيزيائية والكيميائية الصادرة عن الهيئة الجزائرية للاعتماد، وكان مجمع سونطراك منذ عدة أسابيع قد كشف الانتهاء من الدراسات الهندسية بالنسبة لمشروع نزع الهدروجين من البروبان والبوليبروبيلين بتركية بقدرة إنتاجية تصل إلى 450 ألف طن سنويا.
نسيج بتروكيماوي جزائري قوي ومنافس
ومما لا شكّ فيه أن هذه المشاريع المنتجة للثروة ستستقطب المورد البشري وتجذب – في الوقت نفسه – الشركاء الأجانب المزودين بالخبرة التقنية ولديهم خبرة طويلة في اقتحام الأسواق العالمية البتروكيمايوية ويعرفون جيدا الزبائن الكبار من أجل ذلك يوجد تفاؤل كبير بمستقبل هذه الصناعة في الجزائر، على غرار إنتاج عدة مواد استراتيجية مثل البولي إيثلين والبولي بروبيلين والميثانول، علما أنه في الوقت الراهن يسجل استغلال في العالم نحو 70 بالمائة من النفط وقودًا في المواصلات و28 بالمائة في قطاع الصناعة البتروكيماوية.
ونجحت الجزائر من خلال مجمع سونطراك في تجسيد مشاريع مهمة ويمكن وصفها بالمغرية للشركاء والمستثمرين ووصل عددها إلى 6 مشاريع تهدف من خلالها إلى تطوير قطاع البتروكيمياء وذلك من خلال تجسيد مشاريع تثمين المحروقات المسطرة من طرف الحكومة وكل ذلك يصب في إطار بناء نسيج صناعي بتروكيماوي جزائر قوي ومتين وفوق ذلك، منتج يعزز مكانة الجزائر في الأسواق الخارجية وبالتالي استقطاب كثير من الزبائن، علما أن 3 مشاريع من المقرر أن ينجزها مجمع سوناطراك وفي حين 3 مشاريع أخرى سترى النور في إطار الشراكة مع الأجانب، ما يعني أن سونطراك حرصت على التنويع من أجل تكوين المورد البشري والانفتاح على خبرات جديدة.